إثارة الغبار

TT

أخي الشاعر (فرانسيس باسيلي) من نيويورك: أشكرك لأنك ذكرتني بزمن لا أذكره، ولكن في ذلك الوقت كنت لتوي قد رجعت إلى الوطن من الغربة، ولا شك أنني وقتها قرأت قصيدتك التي ذكرتها وأعجبتني، وأوردتها من ضمن ما أوردت، والذكريات مثلما قال الشاعر هي: «صدى السنين الحاكي»، أتمنى لك الخير مثلما أتمناه لنفسي، وكذلك لكل عجوز أرملة قابعة في خرائب النسيان واليأس من دون أن يتذكرها أو يعطف عليها أبناؤها.

* *

إلى أخي (الطائر الأزرق) قلت لي في رسالتك: «فهمنا ما تقصد، لكن إلى متى نظل بدون شفافية في معالجة أوضاعنا؟!» أرد عليك وأقول: متى ما أفصحت أنت عن اسمك.

* *

أخي (قاسم الفرج) من تبوك، كتب لي وكأنه يقرئني السلام: «من هابها ما جابها، وربيع النفس هواها»، واستطرد مرارا قول احد الحكماء: أن اعقل الناس: أفضلهم خلقاً، وأفضلهم علماً، وأكثرهم لمداراة الناس، وأرد على أخي قاسم قائلاً: لقد شككتني والله بنفسي ـ الله لا يجازيك بالاحسان ـ

* *

أخي (مبارك الطامي) من الرياض قال لي: «أرفق بنفسك فما أنت في هذه الدنيا إلا عابر سبيل»، وأقاطع كلام أخي مبارك بدون أي استئذان واسأله من دون أن أطلب منه أي جواب، ومن قال لك إني «مقيم ما أقام عسيب»، أعرف للأسف أني عابر سبيل، ولكنني أعبر السبيل بدون أن أشحذ، واعبره بدون أن أمر على «جغرافيته» مرور اللئام، واعبره بدون أن اركع مع الراكعين للأصنام، واعبره بدون أن اتفيأ بظلال شجرة «الزقوم»، واعبره مستظلا بظلال السحاب والنجوم لا بظلال الخفافيش، واعبره غير متوكئ على أي عصا أو جانب، ولا معتمداً أو راكباً على أي دابة أو حتى على انسي أو جني من العالم الآخر، ولا حالماً بمن تتمخض به أمه الآن، ولا بمن يسري في ظهر أبيه كأي «جينوم» قابل للحياة والموت في أية لحظة.. إنني حقا يا سيدي عابر سبيل، ولكنني أيضاً لست كأي عابر سبيل مهادن: لأنني أولا وقبل أن أكون عصي الدمع، فأنا عصي الجوانب، وعصي العسف، وعصي المساومات، وعصي الملذات المجانية، فما خلقت إلا لكي أكون مشاكسا للطريق نفسه، فقد أموت بدون منتهاه وهذا وارد، ولكنني حتما لا بد وأن أحفر فيه أثراً، وإذا لم استطع فعلى الأقل لا بد وأن أثير فيه غباراً، وهذا هو ما أفعله الآن، فهل هذا عليّ كثير؟!

[email protected]