ابن الأمة وابن (الدايرة)

TT

أحد أبرز الهتافات الشهيرة في الشوارع المصرية أثناء الانتخابات البرلمانية، أن يسبق الهتاف باسم المرشح أيا كان، موصوفاً بأنه ابن الدايرة ـ المقصود ابن الدائرة الانتخابية ـ وهذا الهتاف في حد ذاته يشير إلى مفهوم النيابة لدى المصريين، ومفهوم الانتخاب لديهم.

وأعتقد أن طرح سؤال مثل «على أي أساس ينتخب المصريون مرشحيهم»، كفيل بترك مساحات كبيرة فارغة، إذ أن المصريين وحتى الآن ما زالوا يعتمدون على القبلية والانتماء العائلي، والمصالح العامة والخاصة في انتخابهم لمرشحيهم. هذا في ظل انخفاض معدلات المشاركة في الانتخابات عموماً، وبدرجة أقصى في انتخابات مجلس الشورى والمجالس المحلية، وكذلك من خلال الأحزاب السياسية، بل إن ما يثير الدهشة ما ذكره أحد التقارير من أن معدلات مشاركة رجال الأعمال مثلا في انتخابات الغرف التجارية متواضعة للغاية، كما أن مشاركة المتعلمين في الانتخابات العامة محدودة كذلك.

ويمكن تفسير ذلك بارتباطه بمصداقية قناة المشاركة، أي شفافيتها من ناحية، وإحساس المصريين بجدواها من ناحية أخرى، فطالما يشعر الناس بعدم جدوى المشاركة التي يبدو هنا أنها قد لا تؤدي إلى تغييرات ذات بال في حياة أبناء الدائرة، فإن الانتخاب ـ إن وجد ـ يكون عن طريق القبلية، والنسب العائلي.

وفيما عدا قوة الإخوان المسلمين، فلا توجد أي جماعة سياسية موجودة، حزبية أو أهلية، يمكن للمصريين أن ينتخبوا على أساس الانتماء إليها. وربما يمكن رد هذا إلى عدة عوامل، أهمها أهمية الهاجس الديني لدى المصريين، بالإضافة إلى الالتزام العقائدي والتنظيمي لدى المنتمين إليها، ولا يمكن هنا أيضاً إغفال الشعارات البراقة التي يرفعها ممثلو الجماعة من قبيل «الإسلام هو الحل» وهي الشعارات التي تتماشى مع رغبة، ومع هاجس ديني مسيطر لدى قطاعات عريضة من المصريين، وهي الشعارات التي تختلف عن الشعارات الأخرى مثل «الديمقراطية» و«التنمية» وهي وإن كانت مهمة إلا أنها لا تعني شيئاً كثيراً لأن المصريين لم يتعاملوا معها في أحد الأيام إلا على اعتبار أنها شعارات.

وأعتقد أن ذلك يرجع إلى غياب الثقافة السياسية بمفهومها الدال العميق، وأعتقد أيضاً أن غياب القدرة السياسية لدى أحزاب المعارضة التي أصبحت مجرد دكاكين تدور حول صحف فحسب، من الأسباب الرئيسية، فغياب التنوع الحزبي كفيل بانفضاض الناس عن الممارسة السياسية، وكفيل أيضاً بترك الأمر كله في يد جماعة واحدة دينية.

وأذكر أنه في إحدى الدورات البرلمانية، رشح أحد الأشخاص نفسه للبرلمان، وكان وزيراً مهماً، وكانت المرة الأولى له في الترشيح للانتخابات، وفاز بالمقعد البرلماني بأغلبية ساحقة.

ويبدو أنه صدق المقولة التي تقول إن النائب لا بد أن يخدم الأمة، فأهمل طلبات أبناء الدائرة، من مصالح شخصية، وطلبات عمل، وقضاء مصالح، وحصول على تأشيرات وزراء لأبناء الدائرة، أهمل ذلك كله وتبنى قضايا الأمة السياسية والفكرية والاجتماعية التي تخدم دائرته ودوائر غيره.

وعندما رشح نفسه في الانتخابات التالية، وكان ما زال وزيراً، سقط سقوطاً مدوياً، ولم يشفع له شيء مما فعله لـ«الأمة» وكان خطأه أنه صدق فكرة نائب الأمة، ونسي أن الدائرة تريده ابناً لـ«الدايرة»، لا ابناً للأمة.