خاب أملنا فافعلوا ما هو أفضل!

TT

نصيحتي لك : لا تنصح أحدا!

وقبل أن يلقي الدكتور فاروق الباز محاضرته في دار الأوبرا التي امتلأت بالشباب قلت له: أنت رجل عالم لا تنصح ولا تخطب!

وكانت محاضرة بديعة. شرح فيها فاروق الباز حالنا وحال الدنيا من حولنا وقبلنا وبعدنا. ولماذا تأخرنا وكان في امكاننا ـ ولدينا كل الامكانيات ـ أن نتقدم وأن نتسابق وأن نسبق. وقد فاتنا الكثير في كل المجالات. ولكن الحل ما يزال في أيدينا. والحل هو: أولا وثانيا وثالثا.. وعاشرا: أن نتعلم. لا بد أن نتعلم. وأن نتزود بالعلم والنظرة العلمية. والنظرة العلمية معناها: التخطيط.. أن نعرف أول الطريق وآخره. وأن نتماسك حتى نحقق كل ذلك. ولسنا بدعا بين الأمم، فكثير من الدول خرجت من تحت الأنقاض وقفزت إلى القمم، لا معجزة!

وطلب فاروق الباز من الحاضرين أن يضعوا أعينهم على أية دولة تقدمت، وهو مستعد أن يحكي لنا حكاية مشوارها من لا شيء حتى صارت شيئا. أميركا مثلا. يقول: إن روسيا عندما سبقت أميركا في علوم الفضاء فأرسلت أول جسم يدور حول الأرض كانت ضربة عنيفة زلزلت أميركا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولم تطق أميركا صبرا على ذلك.. لماذا؟

لأن الأميركان اذا لم يتقدموا في مجال الفضاء فلن يصدقهم أحد، لا في مجال العلم ولا مجال الصناعة.. سوف يقول الناس: ولكن الأميركان تخلفوا عن الروس فلا داعي لشراء هذا وذاك.. وأميركا لا تبحث فقط عن الماء في المريخ أو في أحد أقمار زحل لمجرد أن تجد الماء او تبحث عن اصل الإنسان وإنما لكي تتقدم علميا.. لتسبق في مجال المعرفة.. وهذا يؤدي الى رواج مصنوعاتها.. وارتفاع قدرها في عيون الدنيا.. ويرون أن قوتها في كل الميادين بلا حدود.. ولذلك سارعت أميركا واستردت عرش الفضاء.. فهي لا تقتنع بما دون القمم.

يعني؟ إنها تريد التقدم في العلوم لا مجرد السباق نحو الكواكب الأخرى. يعني بالعلم وبالعلم وحده سوف تحقق المعجزات.

وبمنتهى الصراحة قال فاروق الباز: إننا تأخرنا لأننا أضعنا الكثير من الفرص.. ويجب الا نسامح انفسنا على هذه السلسلة الشنيعة من الخطايا.

وبصراحة أكثر: نحن جيل فاشل.. جيلي انا. فلم نحقق حلما واحدا.. فشلنا في تحقيق الوحدة العربية.. فشلنا في اقامة دولة فلسطين.. وفشلنا في محو الأمية... فالأمية في مصر عالية وتزيد، انها أعلى معدلات الأمية.. بينما فلسطين الغلبانة فيها أدنى درجات الأمية وتتناقص!

ويا ما قلت حتى بح صوتي ـ أنا الذي أقول ـ إن هناك طرقا مجربة لمحو الأمية.. هناك الطريقة الإيرانية وهناك الطريقة الكوبية.. انا رأيت في إيران ـ على ايام الشاه ـ أن كل موظف يمكن أن يذهب الى قرية.. والى أية شجرة ويعلق عليها لوحة ويجلس الناس أمامه صغارا وكبارا ويقول لهم : زرع.. درس. ثم أنه لا يتقاضى أجرا، ولكن يرتقي في السلم الوظيفي اذا اثبت أنه محى أمية عشرات من المواطنين وبعد ذلك يرتقي إلى درجة أعلى..

فالمدرسون كلهم من الطلبة الصغار، في الإجازة الدراسية لا يحتاجون إلى فصول ومدارس.. وإنما في ظل شجرة يتعلم الشعب عن طريق أصغر أبنائه!

أما التجربة الكوبية فهي في حاجة الى ثورة، إلى قرار ثوري. فقد قرر الرئيس كاسترو محو أمية الشعب كله في سنة واحدة، وهذا قرار نهائي! فأغلق الجامعات والمدارس وأطلق الطلبة صغارا وكبارا وأساتذة على الشعب يمحون أميته!

ولم يعد في كوبا أميون.. ثم التفت فاروق الباز إلى الشباب قائلا: أنتم الان عرفتم خيبتي وخيبة جيلي، فلا تقلدونا.. وافعلوا شيئا أفضل لبلادنا. وأنتم قادرون على ذلك!

هل أذكّركم بما فعلته اليابان؟ أنتم جميعا تعرفون!