من ملحد إلى أصولي

TT

هناك رأي يقول: إن من لم يكن اشتراكيا في أول شبابه لا قلب له، وإن من ظل اشتراكيا بعد أن تنتهي مرحلة شبابه فلا عقل له، وهذا القول صحيح إلى حد ما، غير انه لا ينطبق بأي شكل من الأشكال على تلك الفئات التي انقلبت بين ليلة وضحاها (180 درجة) من (موضة) اليسارية التي كانت سائدة، إلى موضة «الأصولية المتنطعة المتدروشة».. ولا شك أن هناك فرقا بين الموضتين، فموضة اليسارية أو حتى الشيوعية مفهومة عمليا وعلميا (1+1=2)، إلى أن انفجرت من داخلها وتهاوت، وانكشف المستور أو الخلل، وقامت على أنقاضها في جميع الدول التي اعتنقتها تجارب جديدة مختلفة جدا عن طروحاتها الفاشلة.. أما الموضة الجديدة «المهلهلة» فليس لديها أي مشروع واضح أو مرتب، اللهم إلا الكراهية والتخبط الأعمى، وهي سوف تتهاوى عما قريب، بل اقرب مما نتصور ـ فداؤها منها وفيها ـ ومعطياتها تناقض العصر بكل تطلعاته المستقبلية، وهي اكره ما تكره ذلك المثل الصادق القائل: «إذا لم يجارك زمانك، فلا بد أن تجاريه» لأن الزمن كالقاطرة المندفعة أبداً للأمام وبدون توقف، ومن لا يحاول ركوبها ناهيك من أن يتصدى لها، فسوف تجتاحه وتفرمه، وما أكثر دروس التاريخ التي علمتنا كم من الأفراد، والشعوب، والأمم والنظريات التي فرمها الزمن، وذراها في هبوب الرياح.

وأذكر رجلاً أول ما عرفته كان ماركسياً متطرفاً، يحمل لواء المعارضة ضد أي فكر «ليبرالي» أو ديني، وانقطعنا عن بعضنا البعض فترة ليست بقصيرة، والتقيته هذه الأيام صدفة في إحدى المناسبات، وإذا بأخينا بالله قد أطلق لحيته، وقصر ثوبه، وأخذ يلوك المسواك بيده، وعلى جبينه «لطعة» سوداء من كثرة «الفرك».. وإذا تكلم كان يستشهد بين كل جملة وجملة من كلامه بآية كريمة أو حديث شريف، تماماً مثلما كنت أعرفه في السابق حينما كان يستشهد بين كل جملة وجملة بأقوال لماركس، أو إنجلز أو لينين.. فقلت في نفسي: «الله هو الهادي».. غير أن «بطني مغصني» ولم أستطع أن أهضم هذا التبدل «القاصم» في تفكيره، فدفعني شوقي لمعرفة ذلك إلى مناقشته وساعتها «عينك ما تشوف غير الظلام»، لقد أصبح الرجل «كالمستجير من الرمضاء بالنار» فهو يريد أن يحمل لواء المعارضة مهما يكن، فلما سقطت الشيوعية لم يجد غير «الأصولية التكفيرية» ملاذا، فاتجه لها رأسا بعقل أجوف، ولم يدخل للأسف في «سماحة الإسلام» وإنما دخل في دياجير الظلام، والكراهية والغباء.

ويا إسلامنا الحبيب الغالي: كم من الجرائم ترتكب باسمك.

[email protected]