16 سنة عجيبة

TT

مر ما يقرب من 16 سنة على قيام الجنود الصينيين بذبح الآلاف من أبناء شعبهم الذين شاركوا في مظاهرات الاحتجاج على الفساد وسوء الحكم. وخلال هذه الفترة جاءت وذهبت حروب البلقان والعراق والاتحاد السوفيتي وأعداد غفيرة من المليارديرية والفقراء. لذلك لم يكن مفاجئا حينما طرح المسؤولون الصينيون في الخريف الماضي على زعماء الاتحاد الأوروبي هذا المطلب: أنتم تغيرتم لذلك نحن تغيرنا أيضا. ارفعوا الحظر على الأسلحة المفروض علينا منذ أحداث 1989. ويبدو الطلب الصيني وكأنه استعراض جيو ـ سياسي آخر للقوة. لكنه في الحقيقة ليس كذلك. فالولايات المتحدة وأوروبا قد تعثرتا فوق جهود زعماء الاتحاد الأوروبي لإزالة آخر رموز الإدانة الدولية المتبقية للفظائع التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان في الصين.

يجب التذكير أن تفجر الخلاف بين الطرفين هو أمر حسن. إذ أنه يؤجل إصدار قرار يتطلب عدم التعامل معه بخفة. لكن الخلاف يحتوي أيضا على مخاطر تنجم عن الدفع الشديد. فالحكومات الأوروبية وإدارة بوش عليهما أن يعالجا خلافاتهما بخصوص هذه القضية لجعل الأمور واضحة أمام بكين خاصة بأن عليها أن تبين ما الذي تغير في سياساتها. استفزت القيادة الصينية ما لم تكن تريده: تجديد الانتباه العالمي لمغزى ما خلفته احتجاجات ساحة تيانامن. وهذا هو الهدف المفيد الأول من المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصين في مجال السلاح. وإذ تخفي الحكومة الصينية حقيقة ما حدث يوم 4 يونيو 1989 وما حدث خلال أسابيع الاحتجاجات الستة التي سبقت استخدام قوة وحشية، فإن تلك الأحداث ستستمر حية في الحاضر السياسي الصيني ومستقبله. هذا يظل صحيحا على الرغم من أن حظر تصدير الأسلحة للصين من قبل الاتحاد الأوروبي في حد ذاته قد تم التحايل عليه من قبل بكين، إذ أنها تنتج أو تستورد كل ما تحتاج إليه من روسيا. وقرار حظر الأسلحة، هو في العديد من الطرق، أداة تنتمي إلى الماضي. والتركيز اليوم على بيع الأسلحة للصين يهدد بتحويل ما هو ليس أكثر من هزة ذنب رمزية إلى كلب حقيقي.

لهذا السبب فإن اقتراح الأوروبيين على واشنطن لبدء «حوار استراتيجي» حول الصين يستخدم تقييما إيجابيا. وقدم الأوروبيون هذا الاقتراح في الشهر الماضي خلال زيارة الرئيس بوش لأوروبا. وجاء ذلك بعد أن أبعدت الولايات المتحدة اقتراحاتها التي تطالب بتقنين نقل التكنولوجيا للصين مع الأسلحة.

لكن إدارة بوش بحاجة إلى أن تقوم بما هو أكثر من منع بعض أنواع التكنولوجيا عن الصين لأن ذلك يذكر بالحرب الباردة. فالقوائم المقيدة لبعض من أنواع التكنولوجيا لا تستطيع أن تتعامل مع قضية استراتيجية سيواجهها العالم خلال العقدين القادمين. وهذه القضية تكمن في الظهور المستمر للصين باعتبارها قوة اقتصادية عالمية ومحورا عملاقا لإنتاج السلع وكعملاق محلي من الناحية العسكرية مع مطالب قوية باسترجاع تايوان إليها بالقوة، إضافة إلى أنها لاعب خفيف الوزن في الأمم المتحدة غير راغب بلعب دور بناء فيها أو في أي مكان آخر، وبقاء نظام لينيني ديكتاتوري فيها لا يكف عن انتهاك حقوق الإنسان لشعبه، وغير ذلك.

إنه من الصعب على أي شخص أن يركز على الصين ككل بدلا من التركيز على جانب واحد وإهمال الجوانب الأخرى فيها. وقد يرى رجال الأعمال في الصين نموا اقتصاديا مثيرا للدهشة لكنهم يهملون حالات الفوضى الداخلية والفساد التي ترافق هذا النمو الذي تتم إدارته من قبل الزعامة الشيوعية التي تبرر زعامتها على إحصائيات الرفاهية المزعومة. كذلك فإنه بالنسبة لنا الذين شاهدوا احتجاجات ربيع تيانامن يميلون إلى جعل قضية حقوق الإنسان الدليل الأساسي للنظر إلى الصين. وهذا يعود إلى حقيقة ظلت الحكومة الصينية تنكرها: احتجاجات 1989 هي من أشجع وأعظم الأفعال في تاريخ الأمم. لن تحقق الحوارات الاستراتيجية أو حظر الأسلحة تغييرا كبيرا حتى تكون هناك حكومة في بكين ترى ما حدث قبل 16 عاما باعتباره واحدا من الأمجاد الصينية الكبيرة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»