انتصار بريطاني لعقل المرأة المسلمة .. وإرادتها

TT

تأثرت كثيرا بالدعم الكبير، والتمنيات الطيبة التي حصلت عليها من الجالية المسلمة في بريطانيا، وفي شتى أنحاء العالم، بعد انتصاري الأخير في محكمة الاستئناف. فالمحكمة أبطلت حكما صدر العام الماضي عن المحكمة العليا ودعم قرارا كانت مدرسة لوتن قد أصدرته لمنعي من ارتداء الحجاب في المدرسة.

مع ذلك، فقد ادهشني ان رغبة فتاة مسلمة في ارتداء ثياب تتوافق مع تعاليم دينها، جلبت كل هذا الاهتمام من قبل الإعلام العالمي. لماذا كل هذه المعارضة من شخصيات مشهورة ضد رغبتي في ارتداء ملابس خاصة بالمرأة المسلمة وممارسة الواجبات الإسلامية المفروضة عليّ؟ لماذا أصبح رداء المرأة المسلمة موضوع نقاش وجدل واثارة لهذا القدر من الغضب، بعكس أية ملابس أخرى؟

لاحظت انه منذ أن ربحت قضيتي، ظلت الصياغات الجاهزة، والمستهلكة، تتكرر في عدد من المقالات، وخلاصتها أن الخمار والحجاب يمثلان ثقافة رجعية، إضافة إلى كونهما شكلا من أشكال القمع ضد المرأة. إنها لفكرة غريبة أن يكون تحرير المرأة يعتمد على المقدار الذي تعرضه من جسدها على الملأ.

وفي هذا السياق، لاحظت ان ثمة مقالات معارضة لي ولحكم محكمة الاستئناف لصالحي، زعمت ان قضيتي قلّصت هوية المرأة المسلمة إلى مجرد ما ترتديه من ثياب. وكم يبعث الأمر على المفارقة. فالمرأة الغربية، وباعتراف المناصرات للحركة النسوية في الغرب، ترى أن تقييمها في المجتمع يتم، في الأغلب، وفقا لمظهرها الخارجي وذوقها في اختيار الملابس، ووفقا لطول تنورتها أو قصرها، أكثر مما يتم وفقا لدرجة ذكائها ومهاراتها المهنية. لقد كتبت الداعية النسوية المعروفة جيرمين غريير في كتابها «المرأة الشاملة»: «تعرف كل امرأة، بغض النظر عن إنجازاتها، أنها فاشلة إذا لم تكن جميلة».

لقد دفعت صناعة التجميل، التي تساوي قيمتها مليارات الدولارات، النساء في الغرب كي يطمحن إلى الوصول إلى صورة غير واقعية عن أجسادهن، ونتجت عن ذلك مشكلات شديدة الانتشار في نظام التغذية بسبب الخوف من السمنة. هناك ما يقرب من مليون امرأة في بريطانيا، وواحدة من بين كل عشرين في الولايات المتحدة، يعانين من مشكلات في الأكل. لماذا يحدث هذا القمع للعقل؟

لقد تردد انني تعرضت الى ضغوط بغرض حملي على ارتداء الجلباب من أفراد في الاسرة، او من مجموعة اسلامية مثل «حزب التحرير»، وانني لا استطيع ان اتخذ قرارا انطلاقا من قناعاتي. صحيح ان «حزب التحرير»، والكثير من الجماعات الاسلامية في المملكة المتحدة، فضلا عن الجالية المسلمة بصورة عامة، وقفوا الى جانبي في تمسكي بالمحافظة على القيم الاسلامية، لكنني لا بد ان ارفض هنا اتهامي بأنني غير قادرة على التفكير بصورة مستقلة.

لماذا يعتبر البعض ممن عارضوني، وعارضوا حكم المحكمة لصالحي، ان الفتاة تعبّر عن شخصيتها عندما ترتدي تنورة قصيرة في المدرسة، بينما يقولون ان الفتاة المسلمة تتعرض لضغوط لترتدي الخمار والحجاب، حتى حين تفعل ذلك انطلاقا من فهمها الخاص للاسلام؟ ان مثل هذه الادعاءات هي السبب وراء التقليل من شأن تفكير النساء المسلمات، كما ان هذه الادعاءات تساعد على استمرار رواج الفكرة الخاطئة بأن المسلمات لا يستطعن تحديد خياراتهن بأنفسهن في الحياة. ان الاسلام يساعد العقل على النضوج، على العكس من الثقافة الترفيهية الضحلة وثقافة «النينتيندو» التي تمتص تفكير الكثير من الشباب في الغرب.

يبقى سؤال أخير للمعترضين والمعترضات على انتصاري في المحكمة: أي هوية غير الاسلام تريدون مني الانتماء اليها؟ هل تطالبونني بالاندماج في مجتمعات غربية، مثل بريطانيا، حيث واحدة من كل 20 امرأة تعرضت للاغتصاب، وتتعرض للاغتصاب 167 إمرأة يوميا، وفقا لاحصائيات وزارة الداخلية البريطانية، وحيث واحدة من كل اربع نساء تتعرض للعنف داخل الاسرة، وحيث تموت إمرأتان اسبوعيا على يد الزوج او الرفيق؟

ربما هناك من يريدون ان اتبنى قيم مجتمع مثل المجتمع الاميركي، الذي تتعرض فيه النساء للاعتداء الجنسي كل دقيقتين تقريبا، وفقا للرابطة الاميركية للجامعيات!

كلا، شكرا. لماذا اتخلى عن هوية تقدرني كامرأة وتقدر قيمة تفكيري ومهاراتي بدلا من تقدير طول تنورتي؟

ترى، لماذا أثار زي المرأة المسلمة كل هذا الجدل على مر الزمن؟ ربما السبب في ذلك هو ان القضية اكبر من مجرد قطعة قماش. فهذا الزي يمثل هوية المرأة التي حررت نفسها من الايديولوجية القمعية والضحلة للعلمانية، وأقبلت على الاسلام كطريقة حياة. الحقيقة هي ان زي المرأة المسلمة يمثل هوية امرأة تفكر ولا تنقاد بصورة عمياء لمعايير المجتمع من دون التفكير عميقا في الحياة وفي غرضها وفي تثبيت حقيقة الاسلام عبر عقلها وقناعاتها. متى تفعل المرأة الغربية ذلك؟

* مسلمة بريطانية اصدرت محكمة الاستئناف البريطانية أخيرا حكما لصالحها بشأن ارتداء الجلباب في المدرسة.

خاص بـ «الشرق الأوسط»