أزمة مفتعلة بين عمان وبغداد

TT

انها نموذج مثالي للازمة الدبلوماسية بين دولتين.. تستحق عن جدارة ان تكون مادة للمناقشة على مائدة الباحثين الاكاديميين والمحللين السياسيين وموضوعا للدرس في كليات السياسة والدبلوماسية.

الازمة السياسية والدبلوماسية، في العادة، مثل الحرب، تكفي ارادة واحدة لاشعال فتيلها، بيد ان اطفاء لهيبها تلزمه ارادتان، هما ارادتا كلا طرفي الازمة. ولدينا هنا ـ بين العراق والاردن ـ ازمة لم يوقد نارها طرف واحد بل طرفان أشعل كل منهما عود ثقابه عن سابق تصميم وترصد، وبالطبع فان اخماد هذه النار يحتاج الى ارادتي هذين الطرفين، وهما على اية حال طرفان عراقي واردني، لكنهما ليسا الحكومة العراقية والحكومة الاردنية اللتين باستطاعتهما وحدهما نزع فتيل هذه الازمة المفتعلة.

الذين احتفلوا في الاردن بمقتل ارهابي اردني في عملية انتحارية اودت بحياة 118 عراقيا واصابت بجروح 148 آخرين وأحدثت اضرارا كبيرة في الممتلكات والنفوس... والذين رفعوا الى مستوى الشهادة هذه الفعلة الشنيعة التي لا يقرها أي دين او شريعة ما خلا شريعة الارهابيين... والذين احتفلوا اعلاميا بهذا كله، كان دافعهم جميعا استفزاز الشعب العراقي، بل الانتقام منه لانه لم ينصر سيدهم وولي نعمتهم، صدام حسين، يوم تهاوى عرش طغيانه، بل احتفل احتفالا عظيما بالخلاص منه ويواجه (الشعب العراقي) الان، بكل الاصرار والشجاعة، الارهابيين المحليين والاجانب وانصارهم ومموليهم في ما وراء الحدود حتى لا يعود العراق الى تلك الحقبة المظلمة الطويلة من تاريخه، بل الى حقبة أكثر عتمة من تلك تحت الحكم المشترك للبعثيين والأصوليين.

في الأردن توجد جماعات منظمة عديدة لا شغل شاغلا لها إلا العمل ضد العراق الجديد، حتى لو كانت أعمالها هذه تلحق اكبر الأضرار بمصالح الشعب الأردني والدولة الأردنية.

هذه الجماعات المهزومة سياسيا والخاسرة ماليا بسبب سقوط نظام صدام ستظل موقدا للازمات بين الاردن والعراق، ومن واجب الحكومة الأردنية ان تطبق في حق هذه الجماعات القوانين الضأمنة للمصالح الوطنية للشعب الأردني التي تتعارض معها مصالح هذه الجماعات، كما هو واضح.

في الجانب الآخر، العراقي، فان الذين استغلوا حركة الاحتجاجات الشعبية على ما جرى في الاردن احتفالا بعملية الحلة الارهابية ودفعوا الناس البسطاء والصبيان الى التصرف بطريقة همجية لم يألفها العراق الا في العهد البعثي، من اجتياح مبنى السفارة الاردنية وانزال العلم الاردني والدوس عليه بالاقدام واحراقه وتمزيق صور العاهل الاردني، ثم الطلب من العاهل الاردني تقديم اعتذار رسمي عما تقوم به الجماعات الاردنية الصدامية ـ الاصولية، انما فعلوا ذلك وفقا لاجندة خاصة، سياسية وشخصية، لا علاقة لها بالمصالح الوطنية للشعب العراقي ولا بمصالح ضحايا عملية الحلة وسائر ضحايا الارهاب في العراق. فهؤلاء ايضا، مثلهم مثل الجماعات الاردنية الصدامية ـ الاصولية، يريدون الانتقام من الحكم الأردني لأنه ما فتئ يحذر من خطر حقيقي يهدد المستقبل الديمقراطي الفيدرالي للعراق ويراه كل ذي بصيرة، وهو خطر النفوذ الإيراني المتزايد الذي تتواطأ فيه وتيسره أحزاب وميليشيات ومنظمات أصولية شيعية، ولأنه ـ الحكم الأردني ـ يتمسك بان يأخذ القانون مجراه في قضية بنك البتراء.

لا شك ان الموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أثناء قمة الجزائر هو الموقف الضأمن للمصالح الوطنية للعراق والشعب العراقي. وزيباري الذي لم يتردد في توجيه النقد الصريح والمباشر لتساهل الحكومة الأردنية مع محرضين أردنيين وغير أردنيين على أعمال الإرهاب في العراق وممولين لها تعهد بإيجاد حل دبلوماسي للازمة بين عمان وبغداد، محذرا في الوقت نفسه من استغلال القضية في أجندات سياسية وشخصية.

والآن ما الذي ستفعله الحكومة الأردنية من جانبها؟