تتار القرن الواحد والعشرين

TT

لا يختلف كثيرا ما تفعله حركة طالبان الحاكمة في افغانستان الآن عما فعلته جماعة الحقيقة (اوم) في اليابان حينما سربت غازا في مترو الانفاق لاثبات نظريتها حول نهاية العالم، او عما تفعله الجماعات الغربية صاحبة الافكار المهووسة والتي قادت عدة عمليات من الانتحار الجماعي في دول غربية.

ولا فرق كبيرا فكريا بين الانتحار الجماعي وقصف الآثار بالصواريخ والقذائف وحشوها بالديناميت لتكسيرها قطعة قطعة، كما قال بسادية شديدة المسؤول المفترض ان يكون مدافعا عن الثقافة والتاريخ وزير اعلام طالبان، فنحن هنا امام جماعة ترفع شعار الدين وتأخذ امتها الى انتحار جماعي باسلوب مختلف.

ولتنظر جماعة طالبان الى ما فعلته في بلادها، فافغانستان ساحة حرب وقتال مستمرين لحساب آخرين، والافغان بما فيهم طالبان، سواء بوعي او بدون وعي مجرد ادوات في حرب تختلط فيها تجارة المخدرات الدولية مع مصالح الجيران وقوى دولية راغبة في السيطرة على وسط آسيا مع خطط مرور الطرق الجديدة لانابيب النفط. وفي الوقت الذي يصدر فيه قادة حركة طالبان القرارات الغريبة، وكأنهم عباقرة عصرهم، وبتفنن شديد في تأليب العالم وإثارته ضدهم، مثلما فعلوا حينما منعوا تعليم الاناث، فان مستوى معيشة الشعب الافغاني في تدهور مستمر، بينما تهدد المجاعة عشرات الالوف من الافغان.

وليس واضحا ما الذي دفع زعيم حركة طالبان الى اكتشاف ان هناك أصناما يجب ازالتها في افغانستان الان، ولم يكتشفها المسلمون من قبله طوال 15 قرنا، وعلى العكس فان المؤرخين المسلمين شاهدوا هذه الآثار وسجلوها باعتبارها تراثا بشريا يقف شاهدا على التاريخ. كما ان تصرف طالبان يأتي منافيا لأي تفكير فيه منطق، فالدول التي ليس فيها آثار او تراث تخترع لها تراثا وآثارا، بينما طالبان تريد تدمير التاريخ.

والاقرب الى المنطق ان طالبان، التي تشعر بملل دولي من تصرفاتها انعكس في إحكام العزلة عليها، تريد ابتزاز العالم بتصرف غير مسبوق في التاريخ الحديث، فالآثار والتاريخ بالنسبة لها ليست سوى اداة مساومة وابتزاز قد تحصل بها على بعض المساعدات من الخارج او تخفيف قرارات العقوبات المتصاعدة بسبب استضافتها لشبكات ارهاب دولية.

واذا كانت هناك مسؤولية على طالبان في ما تفعله ويجب ان تدفع ثمن تصرفاتها، فان هناك مسؤولية ايضا على الدول الاسلامية، لان تصرفات الحركة توجه ضربات شديدة الى مصالح الدول الاسلامية، فهي اولا تعطي انطباعا عالميا خاطئا عن الاسلام وهو دين السماحة، وثانيا تؤلب على الدول الاسلامية مئات الملايين من سكان الدول الآسيوية الذين سينظرون الى تدمير رموزهم الاثرية مثل تماثيل بوذا باعتبارها صفعة، مما قد يخلق مشاعر معادية لا تحتاجها الدول الاسلامية.

مسؤولية الدول الاسلامية ان تدين بقوة تصرفات طالبان بدون مجاملة او دبلوماسية، لان تصرفات الحركة فاقت كل حدود، وما تفعله لا يختلف عما فعله التتار في بغداد الحضارة العباسية حينما احرقوها، وألقوا بآلاف الكتب في النهر لتعبر عليها خيولهم، موجهين ضربة قوية الى تطور الحضارة الاسلامية، فهؤلاء يبدو انهم تتار القرن الواحد والعشرين.