عرفنا السر

TT

كان ـ واعتقد وما زال ـ الشيء المتبع في العراق ومعظم الدول العربية، هو ان التلميذ الغبي او الكسلان او الفاشل لأي سبب كان، يبعث به أهله للعسكرية ليتخرج ضابطا اذا وصل الى مستوى الثانوية او جنديا اذا لم يتجاوز المرحلة الابتدائية. هكذا امتلأت جيوشنا بالأغبياء والمتخلفين وحصلنا على هذه الانقلابات العسكرية والهزائم الحربية.

قارنوا ذلك بما تفعله اسرائيل. فحيثما يظهر أحد الطلاب مواهب عالية ويحرز نتائج باهرة، يطرق باب بيته ممثل من القوات المسلحة يهنئه على نجاحه المتميز ويدعوه للخدمة في المهمات الأساسية كالقوة الجوية.

تذكرت كل ذلك على هامش تصريح العاهل الأردني بأن الضعفاء في الدراسة يذهبون إما للعمل في الصحافة او للدخول في المدارس الدينية. الحمد لله لم يشر الملك ويذكر مهنة التعليم ايضا. فما أتذكره ان والد أحد الطلبة المتنفذين استاء من رسوب ابنه في الامتحان، فذهب الى مدير المدرسة ليتوسط لديه بتصحيح النتيجة ومساعدة الولد. قال له المدير «ولكن يا سيدي ابنك لم يكتب جوابا صحيحا واحدا في ورقته ولم ينل غير صفر من مائة. كيف أنجحه وأي مهنة ستقبله؟ انه لا يصلح لأي شيء». قال له الوالد «معلهش! انت بس مشيه في الامتحان، ونحن نبحث له بعدين عن وظيفة معلم»!

الضابط والمعلم! النهاية التقليدية للفاشلين في المدرسة. ولكن الآن اضاف لهما الملك عبد الله الصحافة والمدارس الدينية. ووراء هذا التصريح مدلولات بليغة. طالما حيرني الاعلاميون العرب، وخاصة العاملون منهم في الفضائيات العربية. من اين جاءوا بهذا التخلف الفكري والحمق السياسي والجهالة الجهلاء!

شكرا للعاهل الأردني. لقد حل لي المشكلة وأجاب عن سؤالي الذي حيرني لسنوات. انهم الفاشلون في الدراسة والعاجزون عن الفهم. وهو بالفعل ما أجده في النبذة الشخصية للكثيرين منهم الذين اعرفهم معرفة شخصية.

الاسلامجية ايضا حيروني. كيف يقومون بكل هذه الاعمال البربرية؟ كيف يوفقون بينها وبين ما يؤكده القرآن الكريم والسنة النبوية من حث على السماحة والعفو وحقن الدماء وعدم العدوان والعدل والمساواة؟ كيف عميت أعينهم عن التناقض الواضح بين ما يفعلونه باسم الإسلام وما يدعو له الإسلام وما فعله نبيه الكريم وأبداه من رقة وإنسانية؟ حيرني امرهم حقا. كيف عجزوا كليا عن ملاحظة التناقضات بين ما يعتقدونه وما يدعو له الدين؟ كيف عميت بصائرهم عن ادراك النتائج الوخيمة لما يفعلونه؟ كيف يقتلون انفسهم فداء لقتل آخرين ابرياء؟

حيرني أمرهم. ولكن العاهل الأردني أزال الغشاوة عن نظري. هذه كلها شرائح من العاجزين عن الفهم والدرس والاستنتاج العلمي والمنطقي. ليسوا عاجزين عن الإجابة عن الاسئلة فقط. إنهم عاجزون أيضا عن طرح اي سؤال او التفكير حتى بوجود سؤال.