فنان وحضارة

TT

أقامت الحكومة المصرية، جنازة عسكرية، للفنان الممثل أحمد زكي، وهي جنازة رسمية حضرها ابنا الرئيس المصري وبعض رجال السياسة من وزراء وسفراء، وحشد غفير من الناس من محبي الفنان احمد زكي من جمهوره وزملائه خرجوا يبكون في جنازته، يترحمون عليه، ويذكرون مآثره. ظهر الوداع مؤثر وحارا، ليكشف عن قيمة الفنان المصري في بلده ولدى حكومته. والمجتمع الذي يحترم فنانوه لا بد أنه مجتمع قطع شوطا بعيدا في التحضر ورهافة الحس المطلوبة لتطور المجتمعات.

مصر تسجل دائما سابقة التعامل مع الفنان كرمز وطني يستحق التقدير والاحترام، فأم كلثوم كانت هي واحدة من الأسماء الشهيرة في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، وربما توازيه شهرة، وقد خرج الناس في جنازتها يبكونها كما بكوا زعميهم الوطني، وكتب عنها مفكرو مصر وكتابها، ينعونها كما ينعون رمز وطنيا. ولقب عبد الحليم حافظ بمطرب الثورة والحرب، ليس لأنه غنى للحرب والثورة، بل لأن عبد الحليم كان رمز في عهدها للفن أيضا، وكانت جنازته أيضا حدثا يوازي جنازة زعيم مصري.

كثير من الفنانين المصريين اليوم يمنحون ألقاب ومهمات خارج الفن، كسفراء للأمم المتحدة في برامج إنسانية، إغاثية، وتثقيفية، لأنهم يدركون، قيمة الفنان المصري وحجم سلطته على الجمهور العربي، الذي حصل عليها بصدق فنه وإحساسه، وتأثير الفن الحقيقي في المجتمع.

مصر هي البلد العربي الوحيد تقريبا الذي يعرف كيف يقدر فنانيه، ليس في صورة ألعاب سياسية أو دعاية تسويقية لكسب تصفيق الجماهير، بل لأنها تدرك أنها بهذا تتجاوب مع رغبة عارمة تنطلق من قاعدة المجتمع لتصعد إلى هرمه، وهي بهذا تسجل موقف حضاريا مميزا.

أقول قولي هذا، وأنا أتذكر علاقة البعض الملتبسة والمشوهة بالفن والفنانين، التي تصل أحيانا إلى حد تحريمه وتجريمه ورميه بالموبقات السبع، حتى صار الإنسان لا يعرف كيف يتكيف مع علاقة بالفن تسعده، وتؤثمه في نفس الوقت!

أتذكر فنانين سعوديين رحلوا، وودعوا كأفراد وكأنهم ما أسعدوا أحدا، وكأنهم ما شقوا في جوف الصخر طريقا ودفعوا ثمن الريادة الصعبة، منهم محمد سندي، فوزي محسون، عبد الله محمد، محمد العلي، بكر الشدي، وآخرون ربما غفلت عنهم الذاكرة، طواهم النسيان، وسقطوا من الذاكرة ورحم الله الجميع!

[email protected]