أوراق كوتشينة كونداليزا رايس

TT

أنا كنت في هذه اللعبة من قبل. وهي تنطلق دائما بالنسبة للمبتدئين بمدينة «بالْم بِيتش» وتنتهي عند كازينو «بينْيونْس» في لاس فيغاس.

وهذه الحال تتمثل في تعابير الإعجاب التي يحظى بها كل وزير خارجية أميركي وكم هو ذكي وكم هو رائع فريق العمل المثالي الذي اختاره. وهكذا الحال مع كونداليزا رايس التي كانت أول وزيرة خارجية ترتدي حذاء بكعب عال بينما هي تعيد النظر بكوادرها. وهي في هذا المجال تحتل الموقع الأول في سباق الموسم.

لكن وزراء الخارجية النبيهين لا يأخذون كل هذه الشكليات بشكل جدي. فهم يعرفون أن كل وزير خارجية لديه مجموعة أوراق بوكر وأنت لا تعرف متى سيكشفها أو ماذا تحمل هذه الأوراق: حرب الشرق الأوسط سنة 1973 (هنري كيسنجر)، صعود ميخائيل غورباتشيف (جورج شولتز)، سقوط جدار برلين (جيمس بيكر)، كوسوفو (مادلين أولبرايت)، العراق (كولن باول). وتقرر كيفية لعبك ما ستتركه وراءك من إرث بصفتك وزيرا للخارجية الأميركية.

قد تكون في يد وزيرة الخارجية رايس أوراق ذات أهمية كبيرة لكن هناك ورقة مطروحة الآن أمامها على الطاولة. إنه «الدمقرط» الهش الذي بدأ يظهر في الشرق الأوسط: العراق ولبنان ومصر وفلسطين. وبغض النظر عن أن تكون أي من هذه ستعطي في الأخير ثمارها، فإنها بالتأكيد ستكون جزءا أساسيا من الإرث الذي ستخلفه رايس وراءها.

خلال الشهر الماضي تقريبا ظل بوش يحقق قفزات نجاح كبيرة، وكسب تقريظا كبيرا لانتشار الديمقراطية في العالم العربي. وإذا كنت لا أتفق مع الكثير من سياسات بوش فإنني أظن أن الرئيس يستحق قدرا من الثناء لإطلاقه شيئا مهما جدا في الشرق العربي المتميز بكونه يعيش منذ فترة طويلة حالة احتضار على المستوى السياسي. الكثير من عناصر «الدمقرط» الأساسية موجودة على الأرض في العراق (انتخابات حرة وعادلة)، وفي لبنان (انسحاب الوحدات السورية من بيروت)، وفي مصر (تعهد الرئيس مبارك بانتخابات رئاسية يشارك فيها أكثر من مرشح)، وفي غزة (تعهد إسرائيل بالانسحاب من ثم الانتخابات الفلسطينية).

في التاريخ هناك أشياء كثيرة جيدة تبدأ مع أناس يقومون بشيء صحيح لأسباب مغلوطة. لكن يمكنك أن تحصل على «دمقرط» في الشرق الأوسط قائم على ذاته إذا بدأ الناس بالقيام بشيء صحيح لأسباب صحيحة ـ إذا تمكنت الطوائف المختلفة في العراق ولبنان فعلا من صياغة رؤية مشتركة ووضعت القواعد كي تحكم البلدين. وإذا اعترف المصريون بأن بلدهم لن يتمكن من الازدهار بدون «لَبَْرلة» الاقتصاد والمؤسسات السياسية. وإذا توصل الإسرائيليون والفلسطينيون حقا إلى قبول أحدهما الآخر وقبول هويته الوطنية فإنك ستتجنب النكوص إلى الوراء. ولجعل هذه المشاريع لتحقيق الديمقراطية قادرة على تغذية نفسها بنفسها ـ وهذا هو الاختبار الحقيقي ـ يتطلب وجود شخص محترف لأداء هذه المهمة. وهذا هو التحدي الذي ينتظر رايس في أن تتمكن من القيام بأربعة إنجازات من خلال عمل واحد. والعبء هو ليس خاصا بها فقط . بل هو مسؤولية الأطراف المعنية إذ أن عليها أن تأخذ حصة الأسد من حيث المسؤولية. لكن مسؤوليتها لا يمكن إنكارها. هل هي تمتلك الحزم الكافي للتعامل مع آرييل شارون؟ لم تظهره بعد. وإذا سمحت إدارة بوش لشارون بتبديل الضفة الغربية بغزة فإن كل الأجندة الأميركية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط ستتراجع. وهل هي تمتلك القدرة على لجم الأكراد والشيعة من التطرف في فرض نفوذهم على العراق؟ وهل هي تمتلك قدرا كافيا من الصلابة كي تتعامل مع السوريين؟ والإرادة لدفع المصريين إلى الأمام؟ من المبكر تقديم الإجابة عن هذه الأسئلة. لكن هذه هي أوراق الكوتشينة التي كانت تتعامل معها وكيف أنها ستلعب أوراقها هي التي تقرر جزئيا فيما إذا كان فريق بوش فتح حقا الطريق لانتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط (وهذا ما آمله) أو أنه مجرد جعل الأوضاع مفككة (وهذا ما لا أتمناه).

* خدمة «نيويورك تايمز»