تعلم اللغة الصينية

TT

منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي الصورة السياسية اللبنانية رجل واحد هو الرئيس عمر كرامي. وهذا حمل شديد. اولاً على الرئيس كرامي نفسه، لأنه ليس مؤهلاً للمراحل الصعبة. وثانياً على الشعب اللبناني، لأن وضعه شديد الحرج. ويبدو ان ثمة سوء تفاهم مقيماً بين الرئيس كرامي وبين الناس. فهو يوماً مستقيل وفي الغد عائد وفي المساء معتذر وفي باقي الوقت «لا هو معلق ولا هو مطلق». وذات مرحلة قدم اربعة وزراء من حكومة الرئيس صائب سلام استقالاتهم وبقي الوزير عبد الله المشنوق كما هو كرامي اليوم، فصدرت «النهار» بعنوان عريض يقول: «استقال اربعة وبقي المشنوق معلقاً».

ولا بد ان للرئيس كرامي اسباباً جوهرية او قاهرة تجعله يعتذر اليوم ويعود عن الاعتذار غداً وبالتالي يعلق البلد برمته في هذه اللعبة التي ليس وقتها الآن. فالمعروف عن الرئيس كرامي، اكثر من اي شيء آخر، ظرفه. وهذه اللعبة خالية من كل ظرف، خصوصاً أن الوضع الأمني مشكوك بالانفجارات المتنقلة والرعب السائد والقلق الكبير.

وفي مثل هذا الجو الخانق لا مكان للعب ولا للظرف ولا لتبديد الوقت على طريقة الرئيس كرامي. فقد تذرع مثلا بوقوع عيد الفصح عند المسيحيين، مع انه بالتأكيد لم يكن يشتري البيض لأحفاده في هذه المناسبة. وتذَّرع بغياب بطريرك الموارنة في واشنطن، مع ان الذي يشكل الحكومة ليس البطريرك بل عمر افندي. وعلا الصراخ بأن الافندي يبدد الوقت ويمدد للأزمة من اجل تأخير موعد الانتخابات العامة المقرر في ايار ـ مايو. وحافظ الرئيس كرامي على ابتسامته وجأشه. فمرة يريد لقاء رئيس مجلس النواب. ومرة يريد ان يستأنس برأي رئيس الجمهورية. وفي النهاية قال انه يريد العودة الى «لقاء عين التينة» اي مجموعة الرفاق من الموالين.

ولست افهم كيف ولماذا. فالرئيس كرامي يقول بأنه يرفض ان يؤلف اي حكومة لا تكون حكومة اتحاد وطني. ومن تكون هذه غايته فكيف ينضم في الوقت نفسه الى الفريق الذي يريد رمي المعارضة من النافذة او الشرفة او... الحفرة! لكن المشكلة في الرئيس كرامي، ان الظرف سريع النسيان. فكل ذريعة تمحوها اخرى. والأكثر سرعة من الظرف هو الوقت نفسه. وما بين استقالة كرامي في مجلس النواب تحت «رغبة عائلة الشهيد» ثم قبوله بكل بساطة ان يعاد تكليفه تحت رغبة «عين التينة»، اي مقر مجلس النواب الذي حوَّل ببساطة الى مقر حزبي افرقائي، بين هذا وذاك لم يعد ثمة مجال للمزاح ولا لخفة الظل، لأن انفجارا يقع مع الاعتذار وآخر مع العودة عنه، والرئيس المكلف المعتذر المكلف، المعتذر يبحث عن المزيد من الوقت. او المزيد من ضياعه. ويذكرني الرئيس كرامي بطرفة تقول ان ثلاثة فرنسيين محكومين بالاعدام بلغوا لحظة المقصلة. ومن التقاليد ان يمنح المحكوم الحق في أمنية اخيرة. فقال الاول انه يريد ان يرى زوجته، فجيء بها. وقال الثاني انه يريد سيجاراً هافانيا. فجيء له بالسيجار. وتقدم الثالث وقال للقاضي: صاحب السعادة، لا اريد ان اثقل كثيراً عليكم. ولكن لي أمنية واحدة لديكم. انا اريد ان اتعلم اللغة الصينية وقواعدها وشيئاً من حكمة كونفوشيوس.