مصلحة المواطنين ومصلحة المتظاهرين

TT

كان لافتا للنظر وغريباً ذلك التركيز الإعلامي ـ الذي أظنه مبالغاً فيه ـ حول المظاهرات التي شهدتها مدن مصر خلال الأسبوع الماضي، الغرابة نبعت من ذلك التركيز والإصرار على التعامل مع هذه المظاهرات، وكأنها مقدمة لسيل جارف من المظاهرات تذكر بما حدث ويحدث في عدد من دول العالم، انتهى بعضها بفوضى عارمة، أو انتهى بسقوط أنظمة. هذه المظاهرات في تلك الدول شهدت قدراً كبيراً من الدعم والتأييد الإعلامي الغربي بشكل أيضاً لافت للنظر.

الخطأ هنا هو تعامل بعض وسائل الإعلام العربية مع مظاهرات مصر بذات الشكل الذي تعامل به الإعلام الغربي مع مظاهرات بعض دول أوروبا الشرقية مثلاً، فقد كان لافتاً للنظر ومثيراً للدهشة في ذات الوقت، أن تحتل تلك المظاهرات صدارة نشرات الأخبار في المحطات العربية المختلفة، باعتبارها الحدث الأول والأهم، بل وبالغ البعض بتخصيص ما يقرب من 15 دقيقة في ساعته الإخبارية لهذا الحدث. وحتى لا أتهم بأنني أتحامل على تلك المظاهرات، أو أنني أدافع عن نظام، أود فقط التذكير ببعض الملامح الرئيسية لهذه المظاهرات التي أعتبرها تمثل حالة نفسية عامة مسيطرة على المجتمع كله أكثر منها حركة سياسية، وهذه الحالة النفسية تتلخص في الشعار الذي يرفعونه «كفاية»، وكفاية هنا تحمل دلالات أكبر من مجرد كونها مطالب سياسية، فهي حالة تعلن في الأساس عن الرغبة في التغيير إلى الأفضل، ورفض الواقع ـ بتفاصيله الكثيرة ـ للوصول إلى حال أكثر تطوراً، ولكن هذا لن يجعل من هذه الحركة حركة سياسية عامة يمكن أن تؤثر في الحسابات السياسية. ودعونا نقارن عدد المشاركين في هذه المظاهرات، بعدد من شارك في جنازة أحمد زكي، المقارنة هنا سوف تثبت أن من شارك في هذه المظاهرات كانوا في حدود المئات ليصلوا إلى آلاف قليلة، في حين كان الوضع مغايراً فيما يتعلق بجنازة بأحمد زكي.

ماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة أن ما يحدث ليس تحركاً جماهيرياً كما تحاول بعض الفضائيات تصويره، وليس أيضاً مقدمة لحركة سياسية واضحة الملامح في وجودها تغيير للمعادلة السياسية، ويظل تمثيل هذه الحركة لمصر والمصريين الذي يبلغ تعدادهم أكثر من سبعين مليون نسمة محل شك حقيقي، فما زال الناس بعيدين عن التفاعل مع التحرك السياسي سواء في شكله الحزبي القانوني أو في شكله المعبر عن رفض واقع من خلال التظاهر.

ما أود أن أقف أمامه هنا أيضاً هو أسلوب التظاهر الذي أعتقد أنه بات حقاً أصيلاً للمواطنين، وأظنه أيضاً أصبح أمراً واقعاً، على الأنظمة التعامل مع حقيقة وجوده، ولكن تظل هناك محددات وضوابط لهذا الحق على الطرفين، طرف المتظاهرين وطرف الدولة، فلم يعد مقبولاً من الدولة أن تقابل المتظاهرين بالعصي والاعتقال، وأيضاً ليس مقبولاً من المتظاهرين أن يتسببوا في تعقيد الحياة اليومية للمواطنين الذين يخرجون للتظاهر من أجلهم ـ كما يقولون ـ فقد كان غريباً اختيار ميدان التحرير أو ميدان رمسيس قلب وعصب القاهرة ليصر المتظاهرون سواء من الإخوان المسلمين أو حركة كفاية أن يتظاهروا فيها، ويتسبب ذلك في شل حركة القاهرة، القول هنا بأن الأمن هو الذي تسبب في ذلك بحصاره للمنطقة لحل التظاهر مردود عليه بأن الإصرار على التظاهر في هذه الأماكن هو السابق على موقف الأمن، الأمر في النهاية انتهى بحالة شلل لم يدفع ثمناً لها سوى المواطنين الذين يقول المتظاهرون والحكومة إنهم يعملون من أجلهم.

والتظاهر هنا ـ كما أفهم، وأرجو أن يصحح لي إن كنت مخطئاً ـ هو التعبير عن موقف وليس إثارة الجماهير ضد النظام، إن كان الأمر كذلك، فإن التعبير عن الموقف يمكن أن يكون من خلال الوجود في أماكن يصلح فيها إعلان الموقف دون إصابة الحياة بشلل كامل، وأذكر هنا بداية حركة كفاية عندما وقفوا صامتين في تظاهراتهم الأولى من دون إخلال بسير حياة البشر المحيطين، في ذلك الوقت أعلنوا عن موقفهم دون أن يعقدوا حياة الآخرين.

الأصل هنا هو مصلحة المواطنين، لذلك فالحل أظنه في أن يتم تخصيص أماكن خاصة بالتظاهر، ويتم الاتفاق المسبق عليها، وتكون وظيفة المتظاهرين التعبير عن موقفهم، ووظيفة الأمن حماية التظاهرة وحماية المجتمع.