لعبة التخفي

TT

لا أستطيع إلا أن أشعر بالشفقة حيال أهالي الإرهابيين الذين لا يستطيعون تصديق ما فعله ابناؤهم حين يشاهدون اسماءهم تتصدر نشرة الأخبار، كما فعلت أم المهندس المصري الذي قام بآخر عملية استهدفت تفجير مسرح في قطر، والتي قالت «لو كان ينوي شيئا لودعني في هاتفه الأخير» ظانة أن ما سيفعله رحلة آمنة لمكان بعيد وليس تنظيما سريا سيتستر على صاحبه عن عمليات التلصص والمخابرات وحتى عن أمه التي أنجبته. أنا لا ألوم قلب أم جزع، وبسيط، يهرب من مواجهة الحقيقة المرة، لكنني ألوم كل من يدعم هذا الشعور من الصحافيين، وخاصة المؤمنين دائما بنظرية المؤامرة، وكثير من الناس الذين دائما يؤمنون أن وراء كل عمل إرهابي أميركا، إلا أن بعضهم يبدأ بالتراجع حين يتعرف على وجه ابنه في التلفزيون كما حدث مع الشاب السعودي الذي فجر حافلة بنزين في بغداد لكنه احترق ولم يمت، وذكر أهله أنه قال لهم إنه ذاهب لأفغانستان ليشاهدوه بأم أعينهم مثل كل المشاهدين في التلفزيون، أما الأهالي الآخرون فإنهم لا يستطيعون وصف ابنهم الذي أثبت الحمض النووي شخصيته، سوى بكلمة «كان طيبا» أو «كان خجولا» أو أنه «لم يكن يقوى على ذبح دجاجة». معظم أهالي إرهابيي الحادي عشر من سبتمبر انكروا أن يكون أبناؤهم قد قاموا بفعلتهم هذه، مع أن معظمهم أكدوا أنهم لا يعلمون عنهم شيئا منذ سنوات، لأن بعضهم هرب من البيت، أما والد محمد عطا فقد ظهر في حوار غريب يتهم فيه المخابرات الأميركية، بخطف ابنه، وختم حديثة بتوجيه كلمة لجورج بوش الأبن قائلا «أن كنت راجل تعال قابلني! لتعرف أن الأبن سر أبيه»!!.

الكثيرون يؤمنون أن من قام بغزوتي منهاتن وواشنطن، هم الموساد ليس بسبب أن العرب مسالمون ومحبون للخير، بل لأن العرب ليسوا «كفؤا» لهكذا عمليات. على العكس من هذا، خرجت أم زكريا موسوي المتهم بأنه الرقم 20 في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهي تركض لدعم ابنها عاطفيا، وتعترف بما فعل وتقول «لكنه في النهاية ابني، أخطا لكنني لن أتخلى عنه» كما وصفت أفكاره التي اعتبرتها غريبة وكشفت عن خلافها المستمر معه وتكفيره لمن حوله، فلماذا عرفت أم زكريا تماما من هو ابنها فيما جهل معظم الأهالي ما كان عليه أبناؤهم ؟؟؟.

إن معظم علاقات الأهالي وخاصة تلك التي عاشها الإرهابيون هي علاقات تتجلى في أن الابن كان يحتل دورا هامشيا في أسرته، فهو إما أبن لزوجة ثانية أو هو الابن رقم 20 أو أنه الابن الذي يقضي الوقت بعيدا عن أهله في غرفته أو مع زملائه، ويكفي أن يكون الابن ملتحيا أو يصلي ليدير الأهل عيونهم عنه متأكدين انه عاقل. أما لعبة التخفي فهي اللعبة المفضلة دائما، والتي يجيدها معظم من يعيش في مجتمع شديد المحافظة، يزعج، ويحارب كل من يختلف معه، لهذا تجد معظم أفراده متشابهين في المظهر الخارجي لكنهم حين يخلعون أقنعتهم تجد أنهم غرباء عن هذا القناع. بقيت في النهاية المسؤولية التي لا يعبأ بها الأهالي أو التي يتخلون عنها، حالما يقتنعون بأن ابنهم كان إرهابيا فيسارعون لإعلان البراءة منه وكأن خطأه خطأ فردي وليس عائليا واجتماعيا مشتركا، لو كان كل أب يعاني من خطأ يرتكبه الإبن ويسأل نفسه عن حجم مسؤوليته عنه لما ركض كل اب للتخلي عن ابنه ولام نفسه طويلا.