المرأة.. إشكالية الصورة والقضية

TT

حين يتعلق الأمر بالمرأة والإعلام نجد أنه يتجاور في الفضائيات العربية واقعين، غزارة في ظهور صورة المرأة وانحسار في طرح قضاياها إلا من زوايا محددة، إذ تغلب على البرامج التي تناقش قضايا تتعلق بالمرأة محاذير كرستها أطر النقاش التقليدي السائد حولها في مجتمعاتنا. إذ لا تزال المرأة العربية تعيش وضعاً إشكالياً.. وإن حاولت بعض البرامج تجاوز المحاذير التي تحيط بوضع المرأة فغالباً ما يكون ذلك من باب تأكيد أصالة مفاهيمنا ورفض القيم التحررية الغربية باعتبارها دخيلة على أسرنا الشرقية المحافظة.

أما من حيث غزارة الظهور الإعلامي للمرأة فهو يأتي غالباً في سياق تصنيفات نمطية تقدم المرأة بصفتها جاذباً للمشاهد وهي كثيراً ما تكون مقدمة البرنامج الإعلامي، لكن دورها كمعدة ومخرجة ومصورة لم يتكرس بشكل كبير بعد، ومازال جسدها وحركته مادة إعلانية ترويجية بامتياز.

في حقل الإعلانات، هناك هيمنة للصورة النمطية للمرأة والتي تتراوح ما بين جاذبيتها الأنثوية إلى تكريس دورها كأم وربة منزل أو فتاة مقبلة على الزواج وتكوين أسرة وقليلاً ما نجد الإعلانات هذه تخاطب أستاذة أو موظفة أو طبيبة!! المرأة غالباً ما تكون مستهلكة أو مروجة للاستهلاك ومعظم إعلانات المواد التجارية تخاطبها بصفتها فتاة حريصة على جمالها وأنوثتها أو بصفتها أماً تسعى لتأمين وجبات غذائية شهية لأفراد العائلة. يرافق هذا الواقع الإعلاني حقيقة ضمور مشاركة المرأة الإعلامية في المراكز العليا في التسلسل الهرمي لمهنتها برغم تزايد نسبة تواجدها في هذا القطاع في السنوات الأخيرة وبروزها كعنصر نشط وفعال يمكن رصده في أبرز المحطات التلفزيونية.

وسائل الإعلام وتحديداً المحطات التلفزيونية الكبرى قلما تلتزم قضايا لا توفي معيار الربح، ولما كانت هذه القضايا مرتبطة بالترويج للاستهلاك والإثارة مما يكرس الصورة النمطية للمرأة فإن القيمين على الإعلام الخاص يجادلون بأنه يصعب عليهم التزام معايير لا توفر ربحاً مادياً يؤمن استمرارية المؤسسة. ويقابل الظهور الاستهلاكي الطاغي أحياناً للمرأة في الإعلان والإعلام تردد كبير في طرح قضاياها من زوايا جديدة وغير مألوفة لدى إعلامنا، إذ تستدعي «حرمة البيوت» كما يقول البعض التغاضي أحياناً عن العنف الذي يصيب المرأة.

وقد ساهم الإعلام في نشرات الأخبار وفي حلقات الحوار بكسر الصمت حول العنف العائلي مثلاً لكنه سرعان ما كان يقع في محظورات العائلة والدين والتقاليد التي تفرض أطراً معينة للنقاش قليلاً ما يحاول الإعلام تجاوزها بشكل جريء. غالباً ما تلجأ البرامج التي تتناول قضايا المرأة إلى الاستعانة برجال دين وهذا بالطبع يتجلى بشكل أكبر في القنوات الدينية وتنتهجه أيضاً قنوات أخرى. لكن يبقى أن النقاش لا يزال يطرح قضايا المرأة في الغالب من الزاوية ذاتها التي كانت تطرح فيها هذه القضايا قبل ثورة الاتصالات التي نعيشها.. ليست العبرة في أن نسمي برامج المرأة باسمها أو أن ندعي أن قضايا كثيرة باتت تناقش اليوم فيما لم تكن تطرح في السابق..المهم هو زاوية النقاش وأسلوبه وإلا سنبقى نجد من يخرج على شاشاتنا ليطمئننا بأن الضرب المبرح للزوجات لا يجوز، ولكن يمكن ضربهن برفق!!

* إعلامية لبنانية تراقب وتتابع قضايا الإعلام

[email protected]