الرشود يريد أن يتحدث

TT

قبل أربعة أعوام كنت على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية. وكانت حصة مادة «الفقه الشرعي» تتحدث عن تقسيم المواريث بين الرجال والنساء. والتي تقضي بأن لـ«الذكر مثل حظ الانثيين». وعندما استفسرت عن السبب في هذا التقسيم. طلب مني المعلم التوجه الى غرفة وكيل المدرسة. وبعد انتهاء حصة الدرس واجهني أمام الوكيل قائلا ان اسئلتي «عادة ما تثير الفتن في الفصل».

اليوم في المدارس السعودية تجربة قاربت العامين. تقوم على وضع مجالس للشورى، مكونة من الطلاب انفسهم. وتتيح لهم الحوار في اجواء جيدة نسبيا. وعضوية الطلاب للمجلس تتم بموافقتهم وترشيحهم. التجربة على حداثتها تظل لافتة للانتباه في مدارس لا تزال مكتباتها الداخلية تمنع دخول الصحف الدولية بحجة انها «علمانية» كما أخبرني معلم لمادة المكتبات.

يقول راشد الحمدان، 17 عاما، الطالب في احدى مدارس الرياض «التجربة في حد ذاتها ممتعة. ورغم صورية المجلس إلا انه اضفى نوعا من الأهمية علينا كطلاب، لا أعرف كيف أصفه».

غير ان بسام المروي لديه وصف دقيق «المجلس اضفى على آرائنا شرعية. نحن جزء من هذا الكيان التعليمي، لماذا نهمش؟». ويطمح الى «تفعيل المجلس بجعله دافعا لتفعيل نشاطات أخرى، مثل الصحيفة المدرسة التي لم تتخل بعد في زواياها عن حكمه اليوم ونكتة اليوم وشخصية اليوم ورتابة كل يوم».

والحال ان المدارس السعودية لا تخلو من اجتهادات فردية تستحق الاحترام. فـ«نايف القرشي» معلم شاب في الخامسة والعشرين. قدم لصفوفه التي يشرف عليها في احدى مدارس مكة المكرمة، تجربة يشرحها بنفسه. ويقول «الفكرة تقوم على حوار اسبوعي في المدرسة مع شخصية شابة تحت عنوان «النموذج المثالي» تستقطب شبانا ناجحين في أي مهنة كانت. والبعد الذي أردت ان اضفيه على الفكرة. هو اتاحة الفرصة للطلاب اليافعين للاستماع الى تجارب على الأرض لشخصيات ناجحة في مثل سنهم او قريبة جدا. لم أرد ان افرض الوصاية المعتادة عليهم من شخصيات ثقافية أو دينية أو تعليمية مستهلكة، كلامها بصراحة لم يعد مؤثرا».

بعد انتهاء حديث نايف قفز الى ذهني صديق مقرب يعشق محاضرات الشيخ عائض القرني. ودائما يصفها بالشبابية الطابع، وانها مناسبة لمن هم مثل سني. ولكن ما كان يمنعني بصدق عن الذهاب. تذكري ان الشيخ عائض صدّق يوما ان بندقية صيد «منقاش» العراقي يمكن ان تسقط طائرة أباتشي مصفحة، والقصة مشهورة. وقام الشيخ بكتابة قصيدة تناقلتها اذاعات الراديو مدحا في بطولة منقاش. بصوته يصف فيها عمل «منقاش» بفعل الأسد.

وبالعودة الى نايف وصفوفه، وحضور احدها. كان من المفاجئ رغبة التجاوب مع اسئلتي لديهم. وابداء الملاحظات التي كان أولها عن سبب حلاقة شاربي، ولبسي للبنطلون والقميص. وأخبرتهم ان مسألة حلاقة الشارب شعرت فيه بأنه جزء من التمرد على عادات وتقاليد ليست كلها صحيحة. فإذا كان الشارب مقياس الحكم على رجولتي، فيسرني ان اقدم استقالتي. وأما البنطلون والقميص، فلا سبب غير أنهما كانا القطعتين النظيفتين الوحيدتين اللتين وجدتهما في دولابي ذلك اليوم.

عامر ابن السابعة عشرة لم ينع نفسه من اعتبار لبس الأشخاص للبنطلون فيه «شيء من قلة الاحترام للأخرين». فيما رد عليه عماد بأن «الانسان يقاس بأفعاله لا بشكله وهندامه». الحوار الصاخب الذي استمر حوالي الساعتين، ولم يستثن الارهاب، والمراة، واميركا، والعادات والتقاليد والتعليم.. انتهى بسؤال عن مدى رغبتهم في مجرد التفكير فقط عن اشياء كثيرة حولهم، يفعلونها بحكم العادة والوراثة لا القناعة؟ والاجابة: 70 في المائة من الطلاب راغبون في التفكير.

المدارس السعودية أجواؤها ما زالت عالما بكرا لم يكتشف بعد. في حين اشبعت مناهجها بحثا وتمحيصا. وعندما هممت بالخروج من احدى المدارس في الرياض. استوقفني طالب في المرحلة الثانوية، وسألني ان كنت صحافيا فعلا. فأجبته بنعم. فسألني ان كان باستطاعتي ان انشر اسمه مع رأيه في الجريدة اذا عبر عنه، فوعدته. فقال كما قال زملاؤه في الأعلى.. وها أنا أفي بوعدي. وأقول ان الشاب عبد الرحمن الرشود يريد ان يتحدث.. فقط اسألوه.

* مقال يتناول آراء الشباب حول قضايا الساعة

[email protected]