الناجح والفاشل

TT

لا بد لي ان اعود الى موضوع مقالتي «عرفنا السر» تعليقا على تصريح العاهل الاردني بأن الفاشلين في الدراسة اصبحوا يشتغلون في الصحافة أو يدخلون المدارس الدينية. اعاد لذاكرتي هذا الموضوع ما جرى في العراق في العهد الملكي عندما كان فيصل الثاني ابن عم الملك عبد الله الثاني ملكا على العراق. قررت الحكومة عندئذ فتح كليتين، الاولى كلية الملك فيصل لاستيعاب المتفوقين في الدراسة والاوائل في الامتحانات العامة، والثانية كلية الشريعة الاسلامية لاستيعاب الفاشلين في الدراسة. وتجاورت كلتا الكليتين على طريق المقبرة الملكية، التي حول اسمها الظرفاء بعد ثورة 14 تموز الى «مقبرة الجمهورية»! ولم اجد حتى الآن تسمية ابلغ منها.

بيد ان كلتا الكليتين صادفتا مصيرا محزنا بعد سنوات قليلة. كان الشائع في العهد الملكي ان الغالبية الساحقة من الاذكياء والمتفوقين في الدراسة انتموا للحركة اليسارية والفكر الماركسي، وعندما وجدت نفسي شاذا عنهم، اخذت ابتهل الى الله بعد اداء كل صلاة ان يهديني الى الماركسية لأصبح واحدا منهم ولا يعتبرني الناس متخلفا وتحتقرني البنات.

وهكذا امتلأت كلية الملك فيصل بالشيوعيين. سرعان ما قاموا بنشاطاتهم الثورية التي اعتبرها مدير الكلية الانجليزي اعمالا طلابية مشروعة. لكن وزارة المعارف لم تسمع لرأيه فأغلقت الكلية وطردت طلبتها. وعندئذ تفرغ المطرودون للعمل الثوري الذي ساهم في اسقاط النظام القائم. والآن كلما التقيت بشخصية عراقية بارزة، كالشاعر زاهد محمد والإعلامي كامران قرداغاي، اكتشف انه كان من تلامذة تلك الكلية.

اغلقت وزارة المعارف ايضا كلية الشريعة. ولكن لاسباب مختلفة كليا. كان المعتاد في ابطال كرة القدم ان يكونوا فاشلين في الدراسة وترفضهم الكليات الاخرى. وجدوا ملاذهم الوحيد في كلية الشريعة. وهكذا فان المساهمة الوحيدة لهذه الكلية كانت في ميدان الكرة وليس في الدين. اصبح فريق «اهل العمائم» الفريق المهيب في ميادين الرياضة. ولعب الطوبة يترأسه حامي الهدف المشهور «اسماعيل ابو حقي».

الشيء الملحوظ في ابطال كرة القدم عالميا: انهم يكثرون من الشرب والعربدة وارتياد دور الفسق والمجون، بدلا من طلاب شريعة يوصلون الليل بالنهار في التعبد ودراسة علوم الدين. حصلت وزارة المعارف ومديرية الاوقاف على طلاب شريعة يقضون نهارهم في لعب الطوبة ولياليهم في الحانات والكباريهات، فاضطرت الى غلق هذه الكلية ايضا حرصا على سمعة الدين والشريعة الاسلامية.