عالم الحيوانات

TT

مرة سمعت ابني يقول لأخيه: اسمع أنت حمار! فتدخلت لوقف تلك البذاءة التي ترتكب على مرأى ومسمع مني. لكن ابني صحح لي موقفه بالقول لا يا ماما أنا أقصد الحمار الحلو. لأكتشف أنهم يلعبون لعبة يتقاسمون فيها أدوار الحيوانات كالأسد والحمار والأرنب، وهم يفهمون حتى تلك اللحظة أن وصف «حمار» ما هو إلا كائن لطيف، مسالم، مثل الشخصية الكارتونية للحمار في مسلسل: «ذا ويني بو» في عالم ديزني!

تعلمت من أطفالي أنه يمكن النظر للحيوانات ـ كما كان أجدادنا يفعلون ـ على أنهم شركاء لنا، في المملكة الحيوانية يتقاسمون معنا أدوارا ومهمات، لكن طبائعنا البشرية، المحبة للسلطة والتملك هي التي خلقت ممالك من الرتب والطبقات والفئات، وظلت الناس تعامل الحيوانات حسب هذه المفاهيم الثقافية فترفع شأن حيوان، وتخفض آخر.

ظلت تتغير تلك المقامات حسب المواقف والظروف التاريخية، فالكلب كان يوما وصفا بديعا للوفاء استعمله شاعر «الرصافة وعيون المها» حين قال: أنت كالكلب في وفائه، وكالتيس في قرع الخطوب، لكنك اليوم لن تخرج سالما بعد وصفك لأحدهم بالكلب أو التيس، كما أن وصفا للذيب في البادية كان وصفا للشجاعة والإقدام والفوز، حتى أن قريبا لي سمي ذيب، دلالة على الإقدام والذكاء.

لكن اليوم صار الذئب لا يطلق إلى على الغادر من البشر ولا سيما في مجال خطف النساء والتغرير بهن، فالمنشورات الوعظية الموجهة للمراهقات دائما ما تحذر الفتاة من الذئب، لنكتشف أن الشباب ما هم إلا ذئاب في ثياب بشر يحومون حول الفتيات في الأسواق وعبر الهواتف.

هذه المقدمة الطويلة أكتبها لأخلي مسؤوليتي عن وصف الحيوانات السلبي عند إنسان الحاضرة، الذي لم يعد يرى مكانا مناسبا للحيوان، إلا في الشتائم أو مقيدا في حديقة الحيوانات أو مركوبا أو ملبوسا على جسده، وهذا هو ما جعلني أمتعض حين سمعت أحد الشيوخ يرد على مستمع في الإذاعة، يسأله عن حكم خروج المرأة من المنزل بدون محرم؟ فلم يجد الشيخ تشبيها مبسطا لعقل السائل، غير قوله «إن الغنم التي تخرج من دون كلب حراسة هي معرضة للذئاب»! وقد أوضح لي شيخ آخر رد على فتاة تشكو إليه من ظلم أخيها، بأنه نصحها بأن تتفادى الظلم بالتودد إليه وطاعته، وأن من حسن التودد إليه، كسب ود زوجته، وزوجته هنا لم تكتسب حق التودد من مبدأ أنها شريكة للسلطة مع الأخ الذي يوقع الظلم بأخته، بل من موقع آخر شرحه لنا الشيخ لتبسيط المفهوم بقوله «لو جاءنا ضيف ومعه حمار، ألا نكرم الحمار من أجل خاطر الضيف»، ترى ما هو سر العلاقة بين الحيوانات والمرأة يا جماعة؟!

[email protected]