دعونا نبدأ سباق التغير الثقافي

TT

يضطرب مفهوم الثقافة في العالم العربي اضطراباً كبيراً. فلم يعد المُثقّف هو الإنسان المـُهذّب (الجنتلمان). ويعود سبب ذلك إلى التغير الحادث في النظرة إلى الفرد ودوره في الحياة، ودور المجتمع ومؤسساته. فقد توالت على العالم الثورات التقنية والأحداث وفترات التقلبات القومية والوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية خلال القرنين، الماضي والحالي.

الثقافة بدروها، لم تكن بمعزل عن هذه التفاعلات، لذلك، فالثقافة أمام تحدٍ كبير. وهدف الثقافة الذي نبتغيه هو «تذويت» سبب الخلق في الإنسان، أي جعل سبب خلقه من ذاتيته، ومناجزة الحضارات، والإعداد لحضارة تقوم مقامها، والتطوير الثقافي والحضاري لكامل الأمة وتراثها «أمة تحمل رسالة وتنشئ حضارة وتصنع تاريخاً».

وذلك لأن الثقافة كالحياة ; عملية ذات صلة برقي الأمة وانحطاطها.

وعليه، فالثقافة بهذا المفهوم هي جميع المعارف غير المادية التي تختص بها أمة من الأمم. ولكل أمة ثقافة تتميز بها وتحدد هويتها. وهي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته. وبمعنى آخر الثقافة هي أسلوب الحياة الفكرية في المجتمع، فهي طابع الأمة الأصيل.

من هنا فالحضارة أعم من الثقافة. ومن اجل ذلك تستخدم العلوم الاجتماعية في العصر الحديث مصطلح «حضارة» لتعني به كل الأشياء غير المادية والمادية المصنعة في حياة الإنسان. وينتشر في العالم العربي فهم مشوش للحضارة والثقافة استقي من اللفظ الانجليزي Culture ، ومن مصطلح المدنية والتحضر Civilization .

والحق أن الحضارة «في إطلاقها العام هي قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور وتقلب الأزمان، وما صورت به علائقه بالكون وما وراءه. وهي حين تخصيصها بجماعة من الناس أو أمة من الأمم تعني تراث تلك الأمة أو الجماعة على وجه الخصوص، الذي يميزها عن غيرها من الجماعات والأمم». كما قال المفكر المصري محمد حسين هيكل باشا، الذي لم يكن أول من فكر في ربط الثقافة بالحضارة، فقد سبقه مفكرون وتربويون وإعلاميون يونانيون ومسلمون وغربيون. كما يُعرف مفهوم الربط هذا في علم الثقافة بالبنائية.

الثقافة واحدة من العوامل الرئيسة للتغيير الحضاري، ولذلك فإن الحاجة ماسة الى أن يُكلّف (مركز) بطرح دراسة وتصور لحركة التغيير الثقافي تشترك معه فيها مؤسسات فكرية وعلمية واقتصادية وسياسية وصناعية. وهذا المركز أو المراكز تعبيرا عن عِلْمِيّةُ عَقْلِيَّةُ.

التغيير سيكون بطيئا في سرعته وتفاعله، بل إنه من بطئه يكاد الذين يعيشونه ويعاصرونه لا يدركون آثاره. إلا أنه لا بد منه، ولعلنا بهذا النوع من التغيير الثقافي نستطيع ممارسة الحضارة الإسلامية.

* أكاديمي سعودي