إلى الساسة الجدد في العراق : لا تكرروا أخطاء نظرائكم الإيرانيين في عام 1979

TT

ينبع هذا السؤال من المناورات التي سبقت تشكيل حكومة انتقالية جديدة في بغداد. فهناك طريقتان للنظر الى الدعايات السياسية التي تسببت في الكثير من الضيق بين العراقيين.

وجهة النظر الاولى هي النظر اليها باعتبارها نتيجة حتمية للديمقراطية. فتشكيل حكومة ائتلاف حتى في الديمقراطيات الراسخة مهمة معقدة، فما بالك بدولة خرجت من نصف قرن من القمع الوحشي. ومن هذا المنطلق يجب السماح للعراقيين بوقت كاف للتوصل الى تحالف قائم على الاجماع.

ووجهة النظر الثانية هي ان القيادة العراقية الجديدة تضع الاعتبارات الشخصية والطائفية قبل المصالح الوطنية، وبالتالي تقود البلاد نحو منعطف خطير.

والحقيقة، كما هو الامر دائما، تكمن بين وجهتي النظر. فمن المؤكد ان الاحزاب المشاركة في المفاوضات تواجه قضايا في غاية التعقيد، وان تحقيق الإجماع حول دستور ديمقراطي ليس بالمهمة السهلة. وفي ذات الوقت فمن الصادق ايضا ان معظم الاحزاب المشاركة تبدو وكأنها تتصرف مثل اشخاص في سوق شعبي بدلا من سياسيين يحاولون تشكيل ديمقراطية معاصرة.

فالصفوة القيادية الجديدة حققت كل شيء بسهولة. فقد تم تحرير البلاد عن طريق تحالف بقيادة الولايات المتحدة بمساعدة من الجيش العراقي الذي رفض ان يقاتل من اجل صدام حسين. ثم انهى آية الله العظمى علي السيستاني الانشقاقات بين الشيعة، وقضى على محاولات الجماعات المرتبطة بالقاعدة لإشعال نيران الحرب الاهلية.

واخيرا، كان دور الناخب العراقي للمخاطرة بحياته والتوجه بإعداد كبيرة لمنح الصفوة الجديدة الشرعية.

وحتى الان فإن هذه الصفوة استفادت من اعمال الآخرين، بما في ذلك رجال الشرطة والجيش العراقي الجديد الذين يقتلهم الارهابيون بطريقة يومية.

ومن هذا المنطلق فإن الصفوة السياسية العراقية الجديدة تشبه تلك التي ظهرت في طهران بعد انهيار نظام الشاه في شتاء 1979.

فقد قدم الشاه مساعدة بإقرار الثورة، والتخلي عن المواجهة والهرب من البلاد. وساهمت ادارة كارتر في ذلك ايضا بإقناع قيادة القوات المسلحة الايرانية بعدم سحق الثورة. كما ساهمت المؤسسة الشيعية ايضا بالقيادة المشتركة لكل من آية الله روح الله الخميني وآية الله كاظم شريعة مداري، بتحريك الشارع تأييدا للنظام الجديد.

ولكن عندما تولت الصفوة الايرانية الجديدة السلطة في طهران لم تكن لديها اية فكرة عما يجب ان تفعله.

وازدحمت الصفوة الجديدة في ايران، كما هو الامر بالنسبة لنظيرتها في العراق، بالكثير من الآيديولوجيات. فقد كان هناك عشرات من الجماعات الشيوعية وغيرها من الاحزاب الماركسية او الماركسية الاسلامية، و 4 جماعات على الاقل من انصار مصدق، واكثر من دستة من التجمعات السياسية الدينية.

ومرة اخرى، كما هو الوضع في العراق اليوم، فإن المنفيين لعبوا دورا رئيسيا في كل الجماعات السياسية.

وكانت الصفوة الجديدة، التي لم تلعب دورا يذكر في الثورة التي نجحت في اربعة اشهر وبدون الكثير من المعارك، مهتمة في الحصول على مصداقية ثورية.

كما ارادت ايضا التقليل من دينها الى آيات الله الذين حركوا الشارع الايراني، والاميركيين الذين تأكدوا من انهيار الجيش.

وحاول بعض اعضاء الصفوة الايرانية الحصول على مصداقية ثورية بالدفاع عن اكثر الاجراءات الراديكالية تخيلا. وكان احدها التأميم الشامل لكل الصناعات والمصارف والعديد من القطاعات الاخرى بإسم «العدالة الاسلامية». ومن بين المقترحات الاخرى إغلاق كل الجامعات لعامين بحيث يمكن للمنفيين العائدين من الخارج تطبيق «الثورة الثقافية».

واجبرت المنافسة على الظهور بمظهر راديكالي بعض الجماعات نحو مزيد من المناورات الخطرة. ومن بين هذه المناورات غزو السفارة الاميركية واخذ دبلوماسييها رهائن.

وكانت اول هذه المحاولات التي قامت بها مجموعة شيوعية معروفة باسم «فدائي الشعب»، تتعلق بالفضاء الخارجي للسفارة فقط، وانتهت خلال عدة ساعات، وكانت نتيجتها بعض الصور الثورية في نشرات الاخبار المسائية.

اما المجموعة الثانية، التي كان عليها ان تظهر بمظهر اكثر راديكالية، فقد دخلت مقر السفارة واساءت معاملة بعض العاملين، وصورت بعض المشاهد الثورية للتلفزيون، وغادرت بعد يوم او اكثر. واصبح من الواضح اننا نواجه مزادا راديكاليا.

اما المجموعة الثالثة، وهي بقيادة حبيب الله بامان، وهو طبيب اسنان يساري، فقد استولى على مجمع السفارة بأكمله واحتجز الجميع رهائن. وفي البداية كانت تنوي البقاء هناك لمدة ثلاثة ايام، وبالتالي يثبت انه اكثر ثورية من المهاجمين الاخرين الذين بقوا ليوم واحد. وفي ذلك الوقت تدخلت جماعة دينية قريبة من الخميني للسيطرة على العملية وتحويل احتلال السفارة الى عملية دائمة.

وكانت الرسالة واضحة : لا يمكن لأي شخص المزايدة على الخمينيين الحقيقيين في أي مزاد راديكالي.

وأدت ديماغوغية الصفوة الجديدة وعدم فاعليتها الى ترك البلاد بلا حكومة فعالة، وبالتالي شجعت على ظهور نزاعات انشقاقية في العديد من الاقاليم. فقد اعلنت جماعة شيوعية الجمهورية الشعبية في جزء من الاقليم الشمالي الشرقي. ورفعت جماعتان ماركسيتان أعلام الانشقاق في عدد من المدن في الشمال الغربي. ومع اقتراب دراما السفارة الاميركية من نقطة الذروة، كان من الواضح ان ايران ما بعد الشاه تتجه نحو متاعب.

وخلال كل تلك الفترة كان الخميني في قُمْ، مصمما على عدم قيام الملالي بأي دور في الحكومة. وبالرغم من ذلك، فإن الوزراء والقيادات من عديد من الجماعات السياسية كانوا يتوجهون لقُمْ ليطلبوا منه حل خلافاتهم.

واليوم، فإن البعض يدعي ان الخميني كان يكذب آنذاك، وانه كان يزرع بذور الشقاق، خلف الستار، بين الصفوة الجديدة، ويدفع العديد من الجماعات نحو المزيد من المواقف الراديكالية.

وربما كان ذلك صحيحا. ولكن الحقيقة تبقى، ان الخميني اصر على بقاء الملالي بعيدا عن الحكومة. وتوسل هاشمي رفسنجاني، وهو واحد من اكثر الملالي طموحا للخميني، على ان يصبح نائبا لوزير الخارجية ولكنه تلقى رفضا قاطعا. وفي اول انتخابات رئاسية رفض الخميني ترشيح محمد بهشتي، وهو ملا طموح آخر، وأقر ترشيح ابو الحسن بني صدر وهو طالب في الخامسة والاربعين من عمره عاد من المنفى في فرنسا.

ولكن جاء الوقت عندما اصبحت سمعة الصفوة الجديدة مشوهة وفشل حكم البلاد بحيث اصبح الخميني مضطرا الى الانتقال الى طهران وتولي القيادة المباشرة. والرسالة واضحة: الايرانيون ليسوا على استعداد لنظام تعددي، ويستحقون الدكتاتورية فقط سواء تحت حكم شاه او آية الله.

يجب على القيادات العراقية الجديدة، التي تهرع الى النجف لاشراك السيستاني في حل خلافاتهم التافهة، تذكر الصفوة التي دمرت فرصة ايران التاريخية عام 1979.

ومن المؤكد وجود خلافات بين ايران عام 1979 والعراق اليوم.

فالشعب العراقي لا يرغب في تكرار مأساة جيرانهم الايرانيين. ففي ايران كان مصدر الشرعية هو الثورة بينما في العراق كانت الانتخابات العامة في شهر يناير الماضي. وفي ايران حيث يمثل الشيعة 89 في المائة من السكان، كان حكم الملالي، الذي كان من المعتقد في البداية انه مؤقت، لم يؤد الى حرب اهلية. ولكن في العراق، فإن أية محاولة لفرض حكم الملالي ستقابل بالرفض من السنة العرب والاكراد وغيرهم من الاقليات الذين يمثلون 40 في المائة من إجمالي السكان. واخيرا وليس آخرا فإن السيستاني، بالرغم من انه آية الله العظمى، ليس الخميني. فالسيستاني الذي رفض زيارة مسقط رأسه في ايران لمدة 27 سنة بسبب معارضته لديكتاتورية رجال الدين، هو آخر شخص يريد نسخة عراقية من حكم الملالي في ايران.

ولكن حتى مع ذلك، فإن السلوك الحالي للصفوة العراقية الجديدة يمكن ان يؤدي الى فراغ سياسي يجب تعويضه من قبل شخص ما او شيء ما. والرسالة الى صفوة القيادة العراقية بسيطة: احذروا، انكم تلعبون لعبة خطرة.