الإنسان العربي قبل الأمة العربية

TT

الأمة العربية..الكرامة العربية..الوحدة العربية..قضايا الأمة..الحل العربي..الغريب أننا لم نتحدث يوما عن المشكلة العربية!

هذه المصطلحات وغيرها اعتدنا عليها في خطابنا وخطبنا، أما تهم (العمالة) و(خيانة قضايا الأمة) فهي جاهزة دائما لكل من يحاول أن يغرد خارج السرب ويمارس حقه الطبيعي في قول الحقيقة كما يراها من وجهة نظره. أقف اليوم أمام هذه المصطلحات وأحاول أن أراها بعين جديدة ماذا يحدث لو أننا استبدلنا مصطلح: «الأمة العربية» بمصطلح الانسان العربي وبدأنا نتحدث عن لقمته وحريته وتعليمه وعلاجه، بدلا من استخدام مصطلحات رنانة أثبتت التجارب أنها لم تلحقنا الا بالهزائم، عفوا أقصد النكسات!، ولم تساعدنا على التقدم خطوة الى الإمام. ربما في السعودية عندنا الخطاب العروبي الشعاراتي أقل تشنجا منه في معظم الدول العربية الأخرى، نظرا لتفرد المملكة بين الدول العربية الأخرى بعدم مرورها بتجربة الاستعمار الأجنبي في أراضيها مما ساعدها على تكوين علاقة أكثر أريحية مع الآخر وأقل( فوبيا) من غياب الهوية العربية، وما إلى ذلك.

عندما أتحدث عن الانسان العربي فأنا لا أحب اختزال ذلك بالديمقراطية الشكلية وصناديق الاقتراع والتي ثبت مع التجربة أنها تكون في كثير من الأحيان في منطقتنا (أنزه) وسيلة لتكريس الجمود واللاعدالة وعرقلة التطور، ولا أتحدث عن حرية التعبير التي أرى أنها أصبحت من صيحات الماضي بوجود كل وسائل التعبير بدءا من الخطوط الساخنة للقنوات الفضائية الى مواقع الانترنت وليس انتهاء برسائل الهاتف الجوال حيث أصبح كل فرد اليوم مفكرا وناقدا وفيلسوفا وناشرا وكل ذلك خلال ثوان قليلة، لكن ما أقصده هو الاحساس بالقيمة الحقيقية للفرد العربي كانسان وكرامته كفرد التي لا نستطيع أن نلوم الغرب، الامبريالي المتآمر!، اذا لم يعطنا قيمة اذا لم نعطها نحن لأنفسنا.

عندما اختطف الصحافيان الفرنسيان في العراق هبت فرنسا بأكملها بدءا من رئيسها الى وزير خارجيتها ونظمت المظاهرات واستجدت الفتاوى لكن ربما لا يعرف الا القليل بيننا أنه كان مع المختطفين الفرنسيين سائق عربي مسكين لم يرد ذكره، هذه الحادثة المشتركة مثال بسيط على الفارق المخجل بيننا وبين الآخرين في التعامل مع الفرد، قد يكون الموقف الكويتي من أسراها استثنائي حيث ظلت تذكر العالم بهم ولا تزال تبحث عنهم وأنبت من عثرت عليه منهم واحدا واحدا في وسائلها الاعلامية، حتى هذا الموقف الانساني الاستثنائي (غير العربي) كان مثارا للسخرية لدى بعض مثقفينا، رغم أننا لو تأملنا قليلا سنجد أن هذا الحرص على حرية الفرد الكويتي وكرامته هو أحد أسرار قوة هذا البلد الصغير المهدد الذي وقفت معارضته قبل شعبه خلف قيادتها طواعية ولم يجد فيه الغزو الصدامي خائنا واحدا في حين لم يبن القمع الصدامي في العراق سوى بناء كرتوني هش تهاوى مع أول نسمة. وفي الغزو الأميركي للعراق هب المثقفون للتباكي على(الكرامة العربية) لكنني لا أفهم أين كانت الكرامة العربية في ظل النظام العراقي السابق الذي قتل وشرد وجوع وعذب الملايين من شعبه؟!.

أما (الوحدة العربية) التي نتغنى بها فلا أجد لها تعليقا أجمل من مقولة لغادة السمان: «لم أسمع يوما سياسيا فرنسيا يتحدث عن فرنسا (الأوروبية) أو ألمانيا (الأوروبية) أو يتغزل بالشقيقة هولندا أو (الشقيقة) بلجيكا لكنني رحلت من فرنسا الى جميع هذه الدول دون أن يسألني رجل أمن واحد عن أوراقي الثبوتية فأوروبا تتوحد انطلاقا من مصالحها وتصويت ديمقراطي على الوحدة وخطوات عملية على الأرض لا من أغاني المطربين والهمروجات المنبرية والمزايدات الخطابية والتخوين وتوزيع صكوك الشهادات الوطنية المهرجانية».

* كاتبة سعودية