جاليات

TT

بعد مباحثات طويلة ومنهكة أنجزت عقود مبادرة الغاز السعودية، وتم الاتفاق مع شركات متخصصة روسية وصينية وايطالية وفرنسية، وذلك لغرض التنقيب في مواقع مختلفة ومنتقاة لأجل ذلك. وستكون هذه الاتفاقيات بمثابة فرصة جديدة وواعدة لتنمية الموارد المالية وتطوير الأداء الاقتصادي بالبلاد، ولكنها أيضا فرصة ثقافية كبيرة واستثنائية للتواصل مع شعوب أخرى على الأراضي السعودية.

فهناك أربع جنسيات (كحد أدنى) ستأتي للعمل وبأعداد غير بسيطة، فهل سنستمر في عزلهم عن مجتمعاتنا؟ وهل سنستمر يا ترى في عزلهم داخل مجمعات سكنية لا علاقة لنا بهم ولا لهم بنا؟ أم أننا ستكون لدينا القدرة والثقة والإرادة على الانفتاح عليهم والترحيب بهم وإشراكهم في شجوننا وهمومنا وتحدياتنا، حتى يشعروا خلال فترة وجودهم، والتي ستستمر لسنوات، أنهم جزء من هذا البلد لا عالة عليه، وأنهم لهم دور فيه أيضا، خاصة أن هذه الشركات ومنسوبيها يأتون بكثير من الأفكار والمواهب والطاقات التي من الممكن استغلالها أفضل استغلال للصالح العام.

الكم الهائل من الكفاءات التي أتت للبلاد مع شركات البترول ومع الشركات الطبية ومع شركات الاتصالات ومع البعثات الجيولوجية ومع قطاع الطيران ومع قطاعات إدارية واقتصادية مختلفة، لم تُحسن الاستفادة منها بالشكل المطلوب، ولم يتم بناء الجسور الفكرية والثقافية والإنسانية بالأسلوب الذي كان ممكنا، والذي سيوطد العلاقات الإنسانية ويحسن ويغير الصورة النمطية للمجتمع السعودي.

الجاليات الأجنبية والموجودة بأعداد كبيرة في دول كثيرة من العالم، وخصوصا العاملة في قطاعات إدارية وتنفيذية، عادة ما تكون مصدر مهم للثقافة والابتكار للدول التي تعمل بها. وفي الدول العربية هناك أمثلة كثيرة لنماذج تواصل ناجحة ما بين الجاليات الأجنبية ومواطني تلك الدول; في الإمارات العربية المتحدة والأردن وعمان والبحرين ومصر ولبنان وسورية والكويت وقطر، فهناك مواهب في معارف محددة كالبيئة والتعليم الخاص وإدارة المكتبات والعمل التطوعي، إضافة إلى مواهب فنية وثقافية ورياضية وحرفية، وجميع تلك الكفاءات من الممكن أن تفعل لمصلحة المجتمع بصورة عامة ومؤسسات المجتمع المدني فيه بصورة خاصة وأدق.

عدد غير بسيط من الجاليات الأجنبية سيحل علينا للعمل في مشاريع ضخمة ومحورية، وكل الأمل والمطلوب أن تكون لدينا الجاهزية للتعامل مع ذلك الوضع وتأمين الاستفادة لهم ولنا، بحيث لا تكون علاقتهم بنا خلال فترة وجودهم بيننا فقط، علاقة مقيم وكفيل.

[email protected]