الأخطاء السورية (2 ـ 2)

TT

لا شك ان الارتباط بلبنان خلق تشابكات أسست لحياة بدت فيها لبعض السوريين ان البقاء في لبنان ابدي، وهنا مكمن الخطأ حيث لم يوجد في قاموس العمل السياسي السوري ما يسمى باستراتيجية الخروج exit strategy بخلاف الدول المتقدمة التي تخطط لهذا الاحتمال قبل ان تبدأ الدخول في أي ارض كانت. اعتقد ان مشاكل سورية تمثلت في التمسك بنظريات قديمة، والكبرياء الرافضة لانسحاب قد يبدو مهينا ويعتبر ضعفا في أعين الآخرين. تورطت سياستها الكبيرة في مصالح الصغار. فخلال سنين الوجود نمت مصالح فردية كبيرة على الجانبين دفعتها للتورط في التفاصيل اللبنانية والتي ادت الى ما أدت اليه الآن.

قبل اربع سنوات سألت احد المسؤولين في دمشق عن تشابكات السياسة السورية واللبنانية وما رافقها من اتهامات حينها، من ممارسات العسكر على الأرض، والاستغلال الاقتصادي، والأموال اللبنانية، والجباية السورية، وأخيرا العمالة السورية الكثيفة في لبنان.

ولم يكن الصوت اللبناني المتذمر بعيدا عن أذن دمشق فجريدة «النهار» لم توفر نقدا وكيلا للاتهامات. وعندما اختلطت المصالح الفردية مع المصالح القومية صار مبررا الانحياز لطرف لبناني ضد آخر، وصارت القصص كثيرة حول سوء استغلال الاجهزة اللبنانية للحماية السورية ودارت قصص عن نهب مصرفي ضخم والتحكم في الاقتصاد المحلي وظهور طبقة من المستفيدين من الوضع من الجانبين الذين سيحاربون من يعارضهم من اجل الاحتفاظ بمصالحهم. هنا تقول المعارضة ان دمشق فقدت البوصلة.

لا بد ان للاتهامات اساسا من الصحة لكنها أيضا لم تخل من المبالغات. واضرب مثالا بالحديث المكثف ضد العمال السوريين. فسورية دولة مصدرة للعمالة، لا الى لبنان وحسب بل تجدها عمالة رخيصة في الخليج وبكثافة. بسبب الشك والتجارب السيئة والعلاقة السياسية المتوترة فقد صورت العمالة السورية طابورا خامسا، جيشا من المخبرين لجهاز المخابرات. صار الشك حقيقة في كثير من الاقوال الاخيرة. ومهما يكن عددهم وحقيقتهم الا ان المعارضة اللبنانية مسؤولة وواجبها ان تحارب الاشاعات وان تفرق بين رفض الجيش ومحاربة العمال في رزق عيشهم. ولا يقل سوءا الترويج عن دور مزعوم للعمالة عن اغراء اللبنانيين بان وظائفهم المسروقة ستعود اليهم. فالعمالة الرخيصة حاجة لبنانية، ولهذا يوجد في سوق لبنان أيضا عمال آسيويون وأفارقة. لن يكسب اللبنانيون بل عمالة أجنبية أخرى ستحل محلها. الجانب الاخلاقي يحتم عدم الخلط بين المطلب السياسي المشروع والانتقام الشخصي البغيض.

هذه هي نهاية الحقبة السورية في لبنان ولا بد ان تقتنع الاطراف المختلفة بهذه الحقيقة من اجل طلاق اقل إيلاما. فاللبنانيون المرتبطون بالوضع الذي يوشك على الرحيل هم ربما اقل استيعابا للحدث ومعانيه وقد يكونون مصدر الاشكالات. ان سوريا لن تستطيع المحافظة على مصالحة الموالين لها، وهي تلتزم بشكل علني بالخروج والانقطاع على امل ان تكون نهاية ملاحقة دمشق.

[email protected]