أخي في أبوظبي

TT

تغيرت المصطلحات السياسية في فترة عملي الصحافي بنسبة تعادل متغيراتها في خمسة قرون على الأقل. إذ حتى انهيار الاتحاد السوفياتي كان يقال الغرب والشرق. وكان «الغرب» يشمل سياسيا، المكسيك في اميركا الوسطى. او كوريا الجنوبية. او جمهورية بيليز وسفيرها في اوروبا، الزميل العزيز بسام فريحة. وليس في مقدور احد سواه بالتأكيد، ان يكون سفيرا دولة في اميركا الجنوبية، بينما هو يسهر في المنامة ويشرب القهوة مع ابنه عصام في الصباح في لندن. ويقال ان بسام كان السبب او الدافع الى اختراع «الجوال الدولي» الذي يحمل رقما واحدا في كل الأمكنة. وعلى ذلك فإنه لم يغادر أبوظبي منذ سبع سنوات.

كان روديارد كيبلنغ يقول «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»، فإذا نصف حلف فرصوفيا يصبح نصف الحلف الأطلسي واذا اوروبا الغربية ستضم معظم اوروبا الشرقية. واذا مصطلح «العالم الحر» يضم بولونيا ورومانيا وتشيكيا. واذا عالم الحياد يفقد السويد والنمسا. واذا عدم الانحياز والحياد الايجابي ذكرى من تاريخ مضى. ولم يصر الى احالة تعبير «الحياد الايجابي» الى المتحف بل لا يزال محالا الى القاموس لكي يفسر المفسرون كيف يكون الحياد ايجابيا وهل هو سلبي في الأساس! وسقطت ايضا تعابير مثل «الكتلة الشرقية» و«الكتلة الآسيوية الافريقية» و«بلاد البلطيق» ولن تدرس بعد الآن اتفاقات يالطا ومؤتمر بوتسدام وقمة باريس 1960، إلا على كونها فصولا من التاريخ السحيق مثل رحلة الاسكندر الى الهند او وصول كولومبس الى اميركا فيما هو يعتقد انه رأى البر الهندي. لذلك سمي المساكين من أهل «العالم الجديد» الهنود الحمر، بعكس الهنود السمر، الذين يملأون الآن ديارنا في الخليج غير الثائر على الاطلاق. وعذرا ثم عذرا سيدي الأستاذ احمد سعيد. فهذه واحدة من اسعد البقع في الكون. وقبل اسبوع واحد رفعت الامارات رواتب الموظفين بنسبة 25% بمن فيهم المتعاقدون. يا لها من وقاحة امبريالية يا سيد «صوت العرب» ومنقذهم. اناس يتمتعون بأعلى مستوى معيشة في العالم، ثم يضاف على رواتبهم ما نسبته ربع الراتب: أخي في عمان. اخي في نجران. اخي في الشارقة، في رأس الخيمة. وفي كل مكان. حيي الأستاذ احمد. واعتذر.

و«العالم الحر» ماذا حدث «للعالم الحر»؟ لقد كان مصطلحا يشمل «التشيلي» ايام اغوستو بنيوشيه. وكان يشمل تركيا لأنها تعادي السوفيات لكنها تمنع مواطنيها الاكراد من قراءة لغتهم! وكان «الرجل الغربي» في القواميس رجلا حضاريا و«فاتح البشرة». فماذا إذن عن كولن باول وخليفته المز كوندوليزا، الذي انحنى جاك شيراك يقبل يدها المغرقة في السمرة؟ هل تغيرت سحنة الرجل و(المرأة) الغربية الى لا عودة؟ الم تصبح حاكمة كندا صينية الملامح من بلاد الاسكيمو، بعدما كانت كندا حتى الخمسينات تمنع دخول «الجنس الأصفر» وتصنف اللبنانيين بين هؤلاء.

في السبعينات من القرن الماضي، وليس من القرن الثالث عشر، كان يقال ان اميركا الانكلوسكسونية تريد ان تحفظ اوستراليا وكندا معقلا للرجل الأبيض. الآن اصبحت اجمل مدن غرب كندا، اشبه بجزء من هونغ كونغ. واوستراليا مكتظة بالزحف الآسيوي المجاور. واستطرادا الهجرة الاكبر الى مدن اليابان... ايرانية وسجاد كاشاني وصنع قم. ومنذ وفاة الامام الخميني لم يعد كل قرار سياسي يصدر من قم كما كان الأمر في حياته. لقد عادت السياسة الى طهران، بما فيها تصريحات المرشد الاكبر. والى «البازار» بعد استعادة هاشمي رفسنجاني لقواه. والرئيس خاتمي فقد الكثير من القوة لكنه يحافظ على ابتسامته وهدوئه، في عاصمة لا يعرف احد حتى الآن، الى أي مدى يحكم الحاكم المعلن والى أي مدى يحكم الحاكم غير المعلن.