لله يا محسنين الحقيقة!!

TT

لا أدري ما هو مصير طلاب الحقيقة في العالم العربي، الذين تجاوزوا اللبنانيين، وهم يرفعون شعار نريد الحقيقة، في مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. فتقرير التنمية البشرية للعالم العربي، كاد أن يكون ضمن حقائق سعى البعض للاعتراض عليها، لأنها لا تسر الأنظمة العربية، لكن الحقيقة أن التقرير العربي لم يكشف سوى عن الحقائق القديمة المتجددة بلوعة تشق الصدور والقبور، تقول إن العالم العربي ليس وطنا واحدا كما ظن بياع الوهم العربي، إنهم قادرون على تسويقه ضمن خطابات شعرية بدون خطط موحدة لا باقتصاد مشترك، ولا بوحدة عملة مصرفية، ولا بمناهج في التعليم، بل بوحدة مسكنها القلوب، فالأعمال بالنيات، لكن من سوء حظهم أن التقرير أظهر العالم العربي مثل قطعة قماش مليئة بالرقع لا تكاد واحدة تشبه الأخرى إلا في مصائبها، والتي تقف على رأسها مشكلة الفقر، التي بلغت اثنين وأربعين مليون عربي دخلهم اليومي أقل من دولارين.

بينما كشف التقرير عن ثلاثة مطالب هي المعرفة، والحرية، وتمكين المرأة، غائبة عن التنمية البشرية العربية، وهذه المطالب هي العمود الفقري لأي تنمية، أما المعرفة الضائعة فتشير إليها نسبة الأمية الهائلة في مجتمع عربي كل يوم يروج بائعو الكلام فيه أننا اليوم خير أمة أخرجت للناس، فنساؤنا نصفهم أميات بالختم الرسمي، ورجالنا ثلثهم أميون، والمميزون من المهندسين والأطباء والعلماء من ذوي الكفاءات العالية الذين يتجاوز عددهم 450 ألف، فقد طاروا بعيدا إلى بيئات توفر لهم مناخ البحث العلمي وتشجع عليه، هذا ليس كلامي بل كلام مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في الإمارات، والذي قدر خسارتنا بسبب هجرة العقول العربية بمائتين بليون دولار سنويا، والذي قال إن الكثير من الطلبة العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون لأوطانهم، وإن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب، كما وصف الحال المعرفي بتدني مستوى الإنفاق على البحث العلمي، أما قضية الحرية المطلوبة فهي برامج إصلاحية لا تزال الدول العربية تقدم رجلا وتؤخر رجلا في الأخذ بها، أما تمكين المرأة فهو العنوان الدبلوماسي الناعم الذي ظن كتبة التقرير أنه لا يزعج أحدا، فعلى الرغم من معرفة الباحثين فيه، أن المرأة تعيش أوضاعا بائسة، بدءا من غياب التنظيمات التي تحفظ حقها وتمنع عن ظلمها، وانتهاء بحصتها الضئيلة من برامج التنمية التي لا تضعها في مرتبة متساوية مع الرجل في بعض البلدان العربية، إلا أنهم لم يجدوا بدا من تلطيف هذه الحقيقة حتى يمكن تمريرها في التقارير، وفي الخلاصة إن كانت النتيجة تمكينا أو تعديلا أو تصليحا، فإننا نمد يدنا قائلين: «لله يا محسنين، الحق أو الحقيقة!».

[email protected]