فرصة تاريخية لسوريا

TT

بعد اغتيال رفيق الحريري وجدت دمشق نفسها فجأة أمام جبهات إقليمية ودولية، هجوم سياسي وإعلامي ضد سوريا، تحالف لبناني واسع ضد الوجود السوري في لبنان، تحالف أوروبي أميركي، قرارات حاسمة من مجلس الأمن الدولي، نصائح قوية من أصدقاء دمشق في العواصم العربية.

دمشق اتخذت قرارا حكيما بتحديد موعد ثابت للانسحاب من لبنان، واللغة المسؤولة تغلبت في دمشق على لغة أصحاب الشعارات الفارغة في الإعلام السوري، وهناك تهدئة سياسية واضحة باتجاه دمشق.

أمام سوريا فرصة حاسمة لاتخاذ العديد من القرارات التي يحتاجها الداخل، وتعيد الجسور المقطعة مع الخارج، أمام سوريا خطوات إصلاح حقيقية للاقتصاد السوري عبر التخلي عن نهج سيطرة الدولة على كل مقدرات الاقتصاد الوطني، وسيطرة البيروقراطية القاتلة على الإدارة وهو ما خنق الإبداعات في بلد كان دائما مركزا نشطا للتجارة في الشرق الأوسط، وهو ما جعل الاستثمارات الأجنبية، واستثمارات السوريين في الخارج تتردد ألف مرة قبل قرار دخول السوق السوري.

أمام سوريا مؤتمر لحزب البعث وهو فرصة نادرة لإلغاء نظام الحزب الواحد، وسيطرته على مقدرات الدولة والمجتمع، ومنع الكفاءات غير الحزبية من المساهمة في بناء البلد، والدخول في عصر التعددية السياسية والانتهاء من حكاية «الجبهة الوطنية الموحدة» التي هي ديكور سياسي انتهت صلاحيته منذ زمن طويل، وإطلاق سراح معتقلي الرأي ممن لم تتلطخ يدهم بدماء الناس، والسماح بعودة منابر التعددية إلى مدن سوريا.

سوريا بلد غني بإدارة اقتصادية فقيرة وسوريا لديها قيادة شابة متحمسة ولكنها بلد أكلته الشيخوخة، وسوريا لديها من الإمكانيات واليد العاملة ورؤوس الأموال والموارد ما يكفي لخلق مجتمع متنافس، وفتح سوريا على أسواق العالم، وفتح الباب على مصراعيه للاستثمار الأجنبي من دون خوف من مصادرة أو عبث، وهو أمر يتطلب فتح ملف الفساد المالي والإداري على مصراعيه.

مخطئ من يعتقد في دمشق، أن الزمن كفيل بحل المشكلات، فالزمن لا علاقة له، إنه محايد بكل معنى الكلمة، والبشر هم الذين يحولون الزمن إلى قوة فاعلة أو قوة كسولة. والتاريخ يصنعه من يتخذ القرار، ويعقلها ويتوكل، فالقرارات التاريخية تتطلب تضحيات، وسوريا لديها القدرة على تقديم مثل هذه التضحيات.