الملف الصعب!

TT

جلس رجل لبناني يتحدث بأن مواطنه أمين معلوف، الأديب المشهور، فاز بأهم جائزة أدبية في فرنسا وهي الكونكور، ورد عليه مصري قائلا: إن المصريين أحمد زويل ونجيب محفوظ فازا بجائزتي نوبل، وصمت سعودي كان معهما قليلا ثم قال: هذا لا شيء، فنحن لدينا مسؤول سابق في مدينة جدة حول 20 مليار ريال عبر سنوات طويلة الى بخار وترك بدلا منها نفايات بشر، ولا يزال يبحث له عن جائزة تليق بالانجاز. بقدر ما تحزن هذه الطرفة، بقدر ما تعكس واقعا أليما في شأن ملف شديد الصعوبة وبالغ الوعورة وهو ملف الفساد الاداري.

في الايام الفائتة تناقلت بعض الصحف السعودية أخبارا «خجولة» عن مشاريع انظمة تدرس لمكافحة الفساد الاداري، ونظم تشريعية لموظفي الدولة للافصاح عن وضعهم المالي عملا بمقولة: من أين لك هذا؟ والمشكلة بطبيعة الحال لا تكمن فقط في مسألة من أين لك «هذا»، لكن أيضا في أين ذهب «هذا»؟

الفساد والاضرار بالمال العام وعلاقة ذلك بمسيرة التنمية قضية شائكة ومعضلة، لكن في نفس الوقت لن تستوي مسيرة التنمية من دون مواجهة مع آفة الفساد الاداري والاضرار بالمال العام وتوابع ذلك. وأولى خطوات علاج هذا الأمر، هي ضرورة الاعتراف بالمشكلة أساسا ومدى تطورها وسريانها كآفة مدمرة داخل مختلف الاقسام الادارية.

ولن يكتب النجاح لتلك المهمة من دون منظومة واقعية وصادقة وعادلة وأمينة للثواب والعقاب. وهذه الآفة، التي هي بمثابة سرطان ينمو بخبث وينهش في كل تنمية ومصداقية وثقة بين المواطن والدولة، اعلان الحرب عليها ليس فقط من الضروريات، لكنه قرار مصيري لاثبات جدية أي مسيرة تطويرية. نرى ونسمع ونصفق ونمدح الشرفاء الذين يمتنعون عن قبول الرشوة، لكن لا نرى ولا نسمع عمن قبلوها وما الذي حدث لهم جراء العقوبة (هذا اذا تمت العقوبة أصلا)!

واذا كانت السعودية تخوض اليوم معركة مصيرية ضارية وشرسة ضد الارهاب وأسبابه من غلو وتنطع وتشنج وتطرف، فإن معركة ادارية هائلة أخرى مقبلة وعلى الأبواب، ألا وهي الحرب على الفساد بكل اشكاله.

نستذكر جميعا الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي تبين لنا خطورة الفساد، لكن هذا النوع من التصرف هو أشبه بسجن كبير في أحد البلدان العربية المعروفة بأجهزتها الأمنية الشرسة والمكتوب على مدخله آية قرآنية تقول (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

الحرب على الفساد مطلوبة، ومعالجة «الملف الصعب» موضوع آن أوانه، والآيات والأحاديث والانظمة والتشريعات كلها موجودة، المطلوب فقط التطبيق واليوم قبل غد، بعدل وسوية.

[email protected]