أنا لا أكذب ولكن أتجمل!

TT

وحيث أن هذا الكلام موجه إلى الغرب فالمناسبة والمقام اقتضيا القول ان لا حرج على المرأة أن تعمل من دون أن تغطي كفيها ووجهها، المهم أنها محتشمة «وهذا أمر اختلف عليه العلماء، وهو مسألة فقهية اختلف عليها السابقون..»، هذا الكلام المنصوص هو كلام الشيخ عايض القرني الذي نشرته معظم الصحف السعودية يوم الثلاثاء الماضي، لكن هذا الرأي الذي نقلته الصحف عن فيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور الوثائقي (نساء بلا ظل) الذي استعانت فيه برأي شيخ يمتلك جماهيرية كبيرة بين أوساط الشباب وجمهور المحافظين السعوديين.

حسب قول الشيخ عايض القرني، فقد رأى أن المشاركة في هذا البرنامج «مصلحة لنا في مخاطبة شعوب لم تسمع منا»، إلا أن هذا الرأي والموقف المتوسط في محافظته لم تكتب له الحياة أكثر من أربع وعشرين ساعة، جرى بعدها اعلان من قبل الشيخ عايض القرني، قال فيه إنه يتراجع ويعتذر عن هذه الاراء السابقة، بعد أن ـ حسب ما ذكر الشيخ ـ شاوره حولها علماء دين سعوديون، وتلقى العديد من مناصحة اهل العلم، الذين أعادوه إلى حظيرة الصواب، وذكر هذه الأسماء.

ليست هذه المرة الأولى التي يتراجع فيها أحد علماء الدين، عن موقف فقهي معتدل من الحجاب وقيادة المرأة للسيارة، مستدلا ومعتمدا على أدلة وشروحات فقهية من كتب أئمة المسلمين، تحمل أوجه اختلاف متعددة، تدور في فلك قاعدة فقهية اسلامية معروفة تقول إن الخلاف رحمة، ويعرفها الناس ويقرأونها ويسمعون بها.

هذه الاراء التي تعرض التنوع والاختلاف والتعددية، يجري القضاء عليها في الحال، فالخلاف في الرأي ممنوع والعتب مرفوع.

الموضوع الثاني المثير حقا للسؤال هو هذه الازدواجية بين الداخل والخارج، فالشيخ عايض القرني يرى أن هناك قولا تقتضيه المناسبة والظرف، وهو قول رقيق منفتح يقبل الرأي الآخر ويرفض التشدد الخ.. من المبادئ السمحة، لكن هذا الخطاب المتجمل هو الخطاب الموجه للآخر الغربي، لكي نقنعهم بأن المسلمين ليسوا ضد تقدم المرأة، وليسوا ضد الآخر المختلف، وليسوا ضد الحضارة وليسوا ضد حقوق الإنسان، ولا يحرمون الموسيقى، ولا كشف وجه المرأة، فهي مواطن مثلها مثل الرجل، لكن الخطاب المتجمل، حين يلتفت للداخل فانه ينزع ثيابه الجميلة وأقنعته وإكسسواراته البراقة، ليكشف عن خطاب مختلف، مناقض للخطاب الخارجي، متشدد، لا يسمح بتنوع الرأي ولا بالتعددية الفكرية، بل ويعاقب كل من يخرج عن هذه الوحده الفكرية.

إنه خطاب مشغول بالصورة وليس الأصل، وله شعار سينمائي جذاب، وساحر يقول «أنا لا أكذب ولكن أتجمل!».

[email protected]