لبنان ... بين الانتخابات و«الحقيقة»

TT

شكليات خروج لبنان من أزمته الحكومية، بدءا بصعود نواب المعارضة الى القصر الرئاسي في بعبدا، إلى مشاركة بهية الحريري شخصيا في الاستشارات إلى اتفاق المعارضين وبعض الموالين على تسمية النائب نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة... وانتهاء بإعلان الرئيس المكلف عن تمسكه بانتخابات سريعة، بدت وكأنها حصيلة «مفاجآت» لم تكن متوقعة قبل أيام وربما ساعات معدودة من حصولها.

ولكن توالي كل هذه التطورات بعد أزمة حكومية دامت شهرين تقريبا، وتزامنها مع المراحل الاخيرة من انسحاب القوات السورية من لبنان، يجعلانها مفاجآت مخططة سلفاً ويوحيان بأن لبنان ينتقل تدريجيا، من عهد «الرعاية» السورية الى عهد «النصيحة» الدولية.

من المبالغة في شيء الادعاء بأن ما نشهده حاليا على الساحة اللبنانية هو بداية «عولمة» لبنان.

ولكن لبنان بالذات هو الدولة ـ ربما الوحيدة في العالم ـ التي تلتقي فيها حاليا، والى حد التحالف غير المعلن، الدبلوماسيتان الاميركية والفرنسية، وتتوافق هذه الدبلوماسية الثنائية في الوقت نفسه مع رؤية الدول العربية المؤثرة «للبنان الطائف».

في هذا السياق يبدو خلاف المعارضة اللبنانية مع حلفاء سورية على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري خلافا نظريا أكثر مما هو سياسي على استحقاق لن يكون مجرد استحقاق محلي فيما ينتقل لبنان من استحقاق دولي الى استحقاق دولي ، ومن «نصيحة» دولية الى «نصيحة» دولية. وقد ينفع التذكير، بعد هذا التجاوب اللافت مع «النصائح» الاميركية والفرنسية والعربية الداعية الى الاسراع بتشكيل حكومة جديدة (عبر «مفاجأة» التوافق على اسم المكلف برئاستها) أن استحقاقا دوليا جديدا يطل على لبنان، وقد يكون الاكثر تأثيرا على مسيرته نحو الديمقراطية والشفافية، هو مباشرة لجنة التحقيق الدولية لمهامها في لبنان.

وهنا يجوز التساؤل عن جدية تخوف المعارضين من تأجيل موعد الانتخابات التشريعية (كي لا تفقد زخم الدعم الشارعي لطروحاتها) وجدوى مطالبة الموالين من حلفاء سورية بتأجيلها (لعل وعسى أن «تبرد» مشاعر النقمة على جريمة اغتيال رفيق الحريري وتطرأ أوضاع إقليمية أكثر ملاءمة لهم)... إذا كان تأجيلها لبضعة أشهر فقط، لأسباب تقنية، سيوقت هذه الانتخابات مع وجود لجنة التحقيق الدولية عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري في بيروت (بموجب قرار مجلس الامن) .

من الصعب التكهن بما ستخلص إليه تقصيات لجنة التحقيق الدولية المفترض ان تنهي اعمالها في ثلاثة أشهر. ولكن انطلاقها من رحم تقرير لجنة تقصي الحقائق سيجعل التطورات السياسية في لبنان محكومة، على مدى ربع سنة على الاقل، باستنتاجات اللجنة ـ ناهيك بـ«تسريباتها»، الأمر الذي يسمح بالقول إن تأجيل الانتخابات اللبنانية بضعة شهور قد يكون في مصلحة المعارضة اكثر مما هو في مصلحة حلفاء سورية الذين سيجدون انفسهم موحودين على الساحة الداخلية بعد ان نفذت سورية التزاماتها بموجب القرار 1559 وبقي عليهم هم تنفيذ الباقي من اتفاق الطائف والقرار 1559 معا.

ربما كان عبور لبنان من المرحلة الانتقالية التي يعيشها اليوم الى مرحلة الاعتماد على الذات صعبا بعد ثلاثة عقود من «الاتكالية» القسرية. ولكن اسلوب هذا العبور وسرعته سيكونان المحك الأصعب لاسترداده عافيته الاجتماعية وديمقراطيته السياسية.