القارئ ضحية المبالغة

TT

الموضوع المتميز الذي يستحق كأس التفوق لهذا الأسبوع هو تغطية اختيار بابا الفاتيكان الجديد (20/4 ـ ص12)، حيث قدم المحرر للقارئ معلومات غزيرة حول شخصية البابا الجديد وتوجهاته الفكرية مع رسوم توضيحية لآلية اجتماع الكرادلة للتصويت على البابا الجديد، وكيف يظهر الدخان الأسود أو الأبيض من كنيسة سيستين.

حصاد الأسبوع للأسبوع المنصرم لم يكن بالتنوع المعتاد وتحولت صفحاته إلى مقالات وتحليلات طويلة اضطر المحرر معها لاستخدام حروف صغيرة وهذا كله على حساب التنوع وعلى حساب الألوان والصور. ونريد التذكير بأن صفحة الحصاد تكون في يوم الإجازة، واعتقد أن قلة من القراء ستجلس طيلة اليوم لقراءة مطولات وتحليلات مبالغ في حجمها. كما أن نشر خريطة الأقليات في العالم العربي كان مغامرة في ظل غياب أرقام حقيقية، وهو ما يفسر بعض ردود الفعل السلبية على هذه الأرقام واضطرار المحرر لتصحيحها.

ربما يكون أحد أسباب انتشار «الشرق الأوسط» في عواصم عربية كثيرة هو المقالات والزوايا المتنوعة لأسماء عربية لامعة في حقول عديدة. المشكلة في صفحات الرأي هي أن أغلبية المقالات تدور حول فلسطين والعراق والسعودية وقضايا دولية أو نظرية. ففي أعداد الأسبوع المنصرم نُشرت 50 مقالة وزاوية; 15 منها كانت قضايا نظرية، وستة مقالات دولية، وستة عن فلسطين، وستة عن لبنان، وأربعة عن العراق، وثلاثة عن السعودية، ولم تشذ عن هذا التوجه سوى مقالات عن كل من دبي والجزائر والأردن ومقالتين عن الكويت. ولو استعرضنا أعداد أشهر عديدة ماضية لوجدنا أن كتاب المقالات يركزون فقط على العراق وفلسطين، وهناك غياب حقيقي لهموم ساحات عربية عديدة كالمغرب واليمن ودول الخليج وبلاد الشام. والمحرر الصحافي يعرف أن مهمته ليست توجيه كُتّاب الصحيفة ولكنه ينبه إلى ضرورة التنوع أو الاستعانة بكتاب آخرين من أقطار أخرى.

لابد للمحرر أن يفتح تحقيقا جديا مع مراسلي الصحيفة في بغداد فقد أوقعوا الصحيفة في حرج شديد من جراء المبالغة وعدم الدقة والنقل عن مصادر غير معروفة في موضوع أحداث منطقة المدائن العراقية، فالمراسلون من بغداد أرسلوا تقريرا (17/4 ـ ص1) كان يُفترض أن يأخذه المحرر بكثير من الحذر، فلا يجوز أن تنقل «الشرق الأوسط» أخبارا مهمة ولها دلالات خطيرة عن «مسؤول رفيع في حزب شيعي بارز» تحدث عن محتجزين وعن هروب 52 عائلة، رغم أن المراسل كان ينقل في الخبر ذاته عن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية أن الأخبار عن أعداد المحتجزين «غير صحيحة». وفي الصفحة الثانية من العدد نفسه، ندخل في لعبة المبالغة مرة أخرى بالحديث عن 80 محتجزا، بينهم نساء وأطفال رغم قول الناطق باسم الداخلية العراقية «إن هناك مبالغة، وإن الأخبار يطلقها المسلحون للإثارة».

وفي اليوم التالي، استمر مراسلو الصحيفة في بغداد بالمبالغة عندما وصفوا أحداث المدائن بأنها «أخطر محاولة إشعال فتنة في العراق بين السُنة والشيعة»، ويعود المراسل للنقل عن «مسؤول شيعي بارز» أن هناك 150 رهينة، بينهم أطفال ونساء، ثم يعود للقول إن العدد قد يكون أقل وربما كان مجرد ثلاثة رهائن، وكان يفترض بالمحرر أن ينتبه إلى الفرق بين مائة وخمسين وبين ثلاثة رهائن، خصوصا أن المراسل من بغداد ينقل مرة عن «مسؤول شيعي بارز»، ومرة عن مسؤول رفيع في حزب شيعي، وكأننا نتحدث مع أشباح. وبعد كل هذه الإثارة والمبالغات، تخرج الصحيفة بـ«مانشيت» رئيسي (19/4): «خدعة المدائن لا رهائن ولا خاطفون!»، وهو درس يستحق أن نقف أمامه.

نشرت «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع المنصرم 293 خبراً، كان للعراق نصيب الأسد منها بـ 75 خبراً، تلته فلسطين 55، ولبنان 49، ومصر 25 .