المعلم

TT

تبرز ثقافات الامم والشعوب المختلفة مقامات بعض المهن أكثر من غيرها. فهناك دول تفتخر بالارث الحرفي كالبنائين والنجارين. وهناك دول تفتخر بالطهاة كما هي الحال في فرنسا. وهناك دول تفتخر بمزارعيها كما هو الحال في بريطانيا وأميركا وهكذا.

وفي العالم العربي هناك «تمجيد» خاص للمعلم، فالشاعر تغنى قائلا: «قم للمعلم وأوفه التبجيلا ـ كاد المعلم أن يكون رسولا»، وهناك المثل المعروف الذي يقول من علمني حرفا صرت له عبدا، وغير ذلك من الحكم والقصص التي تبرز دور المعلم ومقامه في المجتمعات.

ولكن مع شديد الأسف يبقى كل ذلك من وجهة نظر فكرية بحتة بعيدة عن الجانب العملي فيها. فواقع الحال أن المعلم لا يلقى المكانة التي يتبناها الطرح الفكري هذا. فمن ناحية التعامل، لا تلقى معاملة المعلمين «نفس» معاملة الاطباء والمهندسين والمحامين مثلا، أما بخصوص الاجور والمزايا فتعتبر مهنة المعلم في الحدود الدنيا من ناحية الاغراءات المالية التي تقدم مع الوظيفة. فمن يا ترى المسؤول عن ذلك؟

بكل بساطة هو، النظرة المتعصبة للتخصصات «العلمية» مقابل التخصصات «الادبية» فبالتالي توجه المجاميع العالية التي يحصل عليها خريج الثانوية العامة للطب والهندسية وما شابه ذلك والباقي يذهب للتخصصات الأقل! علما بأن الواقع السعودي المحلي اليوم يبين لنا أن لا معركة نخوضها اليوم أهم من معركة التعليم، وأن عناصر الانتصار في تلك المعركة هي المنهج المطور والمحسن والخالي من التعصب والجهل والمعلم الواثق من نفسه والجاهز بعلم وخلق.

برنامج تدريب وتأهيل المعلمين بات مطلبا وطنيا عظيم الشأن، وكذلك الامر بالنسبة لتعديل الاجور والمرتبات الخاصة بهم، وحتما يجب أن يتبع ذلك تحسين ملموس في بيئة ومناخ عملهم من تحسين جذري في المباني المستأجرة أو المملوكة.

ألا يمكن أيضا اتخاذ قرار جريء بأن يكون اصحاب المجاميع العليا لمهنة التعليم، فبالتالي يصبح الاختيار لمهنة التعليم من خيرة المتفوقين وليس فقط اصحاب التحصيلات المنخفضة. معالجة شجون التعليم وتحدياته شأن مصيري واذا حصرنا فرضية التطوير داخل اطار المنهج فقط واغفلنا تطوير المعلم كيفا وكما، فهذا سيكون حلا منقوصا.

وكل الأمل أن يتبع ذلك ايضا هيئة مهنية للمعلمين ترعى شؤونهم وتكون صوتا لهم حتى يكون لكيانهم مكانة وسط المجتمع. مكانة المعلم الحقيقية ليست وسط أبيات الشعر وسطور الحكم ولكن وسط مجتمع يقدر الدور الذي يقوم به وخصوصا اذا كان هذا الدور خاليا من الغلو والتطرف والتعصب، لأن هذا المعلم باختصار يزرع بذرات الغد التي سنحصدها جميعا.

[email protected]