ما زلت اذكر ذلك السيناريو المدهش لوصف وزير الإعلام السابق فيصل الحجيلان وهو يسرد في مقابلة له في مجلة «الإعلام والاتصال»، تفاصيل يوم قديم، مر عليه ما يزيد عن 30 عاما، يوم اتخذ فيه قرار بث أغنية لأم كلثوم في التلفزيون، وكيف تحمل لوحده مسؤولية هذا القرار.
وصف الوزير اللحظات العصيبة التي عاشها أثناء وقت بث الأغنية حتى أنه لم يطق الجلوس في البيت، فخرج يتمشى في الشوارع، طوال وقت بث الأغنية، تتراءى له أشباح لا يعرف لها وجها ولا ملامح، عاش الوزير لحظات متوترة، تترقب ردة فعل غير مرحبة، يخاف سوء ظنها، لكن تلك اللحظات مرت بسلام!!
وفي لقاء صحافي آخر، سرد السفير اليوم، عباس غزاوي، تفاصيل اتخاذه يوم كان مديرا للإذاعة منذ أكثر من ثلاثين عاما أيضا، قرار بث أول برنامج إذاعي، بصوت امرأة يهتم بشؤون الأسرة والمرأة، والمخاطرة الكبيرة التي خاضها، لكن نتائجها الناجحة مكنت الإذاعة من اختراق حاجز المنع والتطوير.
أتذكر اليوم كل هذا الكلام المنشور على لسان أصحابه في مجال الإعلام وأقارن بينه وبين مقال يثني على القناة المحلية للتلفزيون، ويحمد لها بث فيلم أجنبي للسهرة، منذ أسوع، وبعد مرور أربعين عاما من إنشاء التلفزيون، لا شك أن فرحة المشاهدين الذين لا يملكون إلا مشاهدة القناة السعودية الأرضية الوحيدة كانت أيضا عظيمة وهم يشاهدون مخاض التلفزيون الذي ولد فيلما، هذا المقال جعلني أتذكر «نفيسة» البطلة التي يكثر ظهورها في المسلسلات المصرية، والتي تمتلك دورا غير دورها كأم، وربة البيت، وراعية للاطفال، فنفيسة كانت قناة محلية للبيت، كلما دخل زوجها إسماعيل من الخارج يحمل خبرا سعيدا نسمعه يصيح بها «زغرطي يا نفيسة»، فنسمع صوت نفيسة من الداخل في استجابة سريعة للحدث، حتى من دون أن تعرف تفاصيله، وهي تزغرد، ودون أن نراها حسب قانون سرعة الصوت، أما حين يأتي إسماعيل من الخارج، وهو يحمل خبرا سيئا فإنه يصيح بها قائلا: «صوتي يا نفيسة»، فنسمع صوت نفيسة يصيح «يا لهوي»!
لا أستطيع القول بثقة أكيدة، إننا اليوم نعيش حدثا مهما، ومناسبة سعيدة، سببها بث «فيلم» في قناة التلفزيون المحلية، يستدعي أن تزغرد «نفيسة»، خاصة بعد أن رأينا أن قرارات أهم، قد مهدت الطريق منذ ثلاثين عاما وأزيد، لكنني أقول إن إعلامنا الذي يراوح بعد اربعين عاما ليعرض فيلما لا يجب أن يغتر بزغرودة «نفيسة»، وإلا فإنه مع الوقت سيصبح دوره مثل دور «نفيسة» في المسلسلات المصرية.