سلطة الريموت كونترول .. أم سلطة الحرمان؟

TT

كلما اشتقت للأكل المصري أذهب إلى منطقة أستوريا التي تبعد عن مانهاتن بحوالي نصف ساعة، وهذا يحدث على الأقل مرة واحدة.

وفي أستوريا أذهب إلى مطعم شعبي بالنسبة للجالية العربية هناك. وهو لا يقدم فقط الطعام أو النرجيلة أو طاولة الزهر التي تجذب الزبائن، بل في هذا المطعم شاشات تلفزيون كبيرة تبث آخر كْليبات الأغاني الجديدة القادمة من العالم العربي.

وأقوم أثناء تناولي للطعام مع أصدقائي أحيانا بمشاهدة فيديو لمغن أعرفه أو أهز رأسي اندهاشا أمام كل المغنين الجدد الذين لا أعرفهم. لكنني بدأت أدرك الآن أن علي أن اهتم بكليبات الفيديو الخاصة بهذه الأغاني. أنا افترضت أنها مجرد أدوات لتسويق ألبومات لكنه يبدو أنها أكثر سلطة من ذلك.

فحسب دار الأوبرا المصرية تشكل كليبات روبي ونانسي عجرم وهيفاء وهبي خطورة لا تقل عن خطورة أسلحة الدمار الشامل من حيث توجهها ضد الأسرة المصرية. وفي حلقة دراسية نظمت لدراسة هذه الظاهرة قال بروفسور في الدراسات الاجتماعية إن كليبات موسيقى «الإغراء» كانت عاملا في زيادة نسب الطلاق واستخدام المخدرات بين الشباب في مصر.

وحسبما قال البروفسور إن الدراسات الصادرة عن تلك الحلقة الدراسية ترى أنه إما أن يكون لروبي ونانسي وهيفاء قوى سوبرمانية لم يتم توثيقها لحد الآن أو أن الأواصر التي تربط الأسرة المصرية أضعف مما كنا نظن. إذ لو أن كل ما يحتاجه هدم الأواصر الأسرية هو بضعة كليبات فيديو فإن ذلك يعني أن الأواصر نفسها لم تكن قوية بما فيه الكفاية.

بالتأكيد أصبحت فيديوات الموسيقى العربية أقوى الآن والكثير منها يستخدم أجساد النساء لبيع الموسيقى. ومثلما يزعجني أن تتشدد المنظمات الدينية المحافظة كثيرا بما يخص ملابس النساء، فإنه يزعجني أيضا أن تصبح أجساد النساء وسائل تسويقية.

لكن أن يتم توجيه اللوم لهذه الفيديوات باعتبارها مسؤولة عن تفكك الأسر هو استنتاج سخيف ويهمل العوامل الحقيقية التي تهدد المجتمع المصري: الفقر والبطالة وغياب الفرص وخصوصا بالنسبة للشباب.

وليس أولئك المشاركون في الحلقة الدراسية التي نظمها دار الأوبرا المصرية حول خطورة كليبات فيديو «الإغراء» أو البرلمانيون الذين يدعمون هم وحدهم الذين طالبوا بفرض رقابة على هذه الفيديوات بالنسبة لمصر والعالم العربي. لكنني متأكدة أنهم سيفاجأون إذا عرفوا أن لديهم الكثير مما هو مشترك مع أنصار جورج بوش الذين أصبحوا خبراء في تمويه المشاكل الاجتماعية من خلال إزاحتها صوب ما يسمى بـ«القيم الأخلاقية».

هنا في أميركا نجد هذه الأصوات الرجعية تتشكى حول القيم والأخلاق والقيم الأسرية، لكنها مع ذلك تهمل التدمير الحقيقي الذي تسببه سياسة إدارة بوش من خلال تقليص الأموال على الخدمات الاجتماعية الأساسية. وهذه الأصوات الرجعية تشكو أيضا حول برامج التلفزيون ـ حتى برامج الكارتون ـ زاعمين أنها تدمر القيم الأسرية، لكنهم مع ذلك صامتون على سبيل المثال، حول أكثر من مليون أميركي بضمنهم أطفال لا يمتلكون أي تأمين صحي أو أنهم ضمن أسر فقدت أحباءها بسبب العنف العشوائي القائم في المناطق الفقيرة.

في مصر الشيء الأكثر خطورة على الأسرة فيديو الموسيقى أم حقيقة أن الكثير من الشبان لا يستطيعون الزواج؟ هل روبي أكثر تدميرا للأسر المصرية أو حقيقة أن الشاب أو الفتاة يقضيان سنوات من حياتهما يبحثان عن عمل بعد تخرجهما من المدرسة أو الجامعة؟ وحينما يتمكن أي ثنائي من الزواج أخيرا ما هو الشيء الأكثر خطورة على حياتهما الزوجية؟ نانسي عجرم أم حقيقة أن كلا منهما يجب أن يعمل عملين أو ثلاثة للتمكن من دفع الإيجار والفواتير الخاصة بالأسرة؟

هناك أشياء قليلة جدا يستطيع الرجل أو المرأة العربيان أن يتحكما بها. فهما بالتأكيد لا يستطيعان التحكم بحكومتيهما وليس لهما دور في تحديد القضايا اليومية الخاصة ببلدانهما. لكن هناك شيء واحد يستطيعان التحكم به ـ وأنا أتمنى أن يتذكر أساتذة الدراسات الاجتماعية هذه الحقيقة الواضحة. ولعل دار الأوبرا المصرية تستطيع أن تقتر في تضييع الوقت والمال عن طريق إلغاء الحلقة الدراسية حول المخاطر المفترضة لفيديوات الموسيقى.

إذا شعر أي شخص بالأذى من فيديو الموسيقى فإن الحل بسيط جدا: بدل القناة أو أطفئ التلفزيون. بالنسبة لي ما يجعلني أشعر بالأذى هو أولئك الأفراد الذين يتجاهلون عن عمد الفاقة والبطالة والنقص في الديمقراطية.

[email protected]