إعادة فرز سياسي في لبنان!

TT

هل بدأ لبنان السير باتجاه عملية إعادة فرز سياسي تعيد رسم أولويات الخصوم والحلفاء التكتيكيين؟

ما يبدو من تطورات على الساحة اللبنانية ينمّ عن حركة باتجاه ما، مرتبكة ومتردّدة تحت ضغط الرقابة الدولية وفي ظل المناخ المحلي والإقليمي المتبدل بسرعة. وقد تحصل تبدلات وتغيّرات في قوة التحالفات أو رقعتها وسط حالة «ما بعد الانسحاب السوري» وما يندرج ضمنها من اصطفافات، لكن مما لا شك فيه أن الوضع الحالي لميزان القوى سائر حكماً الى التغير.

نوعان متبلوران من التغيّر يستدعيان اليوم رصداً جاداً:

الأول حاصل ضمن الكتلة السياسية أو الطائفية الواحدة. والثاني بين كتل أو قوى كانت حتى الأمس القريب في مواقع متباعدة جداً ولو نظرياً.

من الأمثلة المهمة في النوع الأول ما تتعرض له الساحة الشيعية ـ كبرى الساحات الديمغرافية اللبنانية حجماً ـ من «صحوة» لقوى تجد أن تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» لا يختصر بالضرورة كل تلك الساحة وبالتالي لا يجوز أن يواصل احتكارها. وقد تجسّدت هذه «الصحوة» خلال الأسبوع الماضي في «اللقاء الشيعي اللبناني»، متكلمةً بصراحة عن عصر ما بعد «الوصاية»، وبمنطق هو في صميم جدلية «العدل» الشيعية وتعدّد المرجعيات.

أيضاً ثمة «صحوات» في صفوف أحزاب عايشت الفترة السابقة تحت قيادات كانت إما براغماتية جداً أو مرتهنة جداً لـ«أهل الوصاية». وبين هذه الأحزاب الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي خرج منه الى العلن «تيار ديمقراطي» رافض للحالة الراهنة. والحزب الشيوعي اللبناني الذي يحاول قادته ـ وبخاصة «رموز الستالينية» الموالية فيه ـ منع مزيد من النزف والانهيار التنظيمي بعد عدة انشقاقات فرضها إحجامه عن معارضة سلطة الأجهزة وداعميها. وحزب الكتائب اللبنانية الذي جعلته زعامته الحالية حليفاً تكتيكياً بامتياز لدمشق.. أيضاً يشهد «انتفاضة توحيدية» تدعو إلى إخراجه من موقعه التبعي، وإعادته الى قيادته «الطبيعية» لشارعه المسيحي الكياني، حيث أضحى نفوذ كل من البطريرك نصر الله صفير والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع (السجين) أقوى مما تبقى من نفوذ للحزب.

أما النوع الثاني فيتمثل اليوم في نوبات نفاق سياسي لا مثيل لها. فإذا ما سلّمنا جدلاً أن هناك خصوصية وحجماً سياسياً استثنائياً لتحالف المعارضة الثلاثي الكبير الذي جمع تيار الرئيس الراحل رفيق الحريري والزعيم وليد جنبلاط ولقاء «قرنة شهوان» المسيحي، عنوانه إسقاط دولة الأجهزة، فإن جري «صغار» الاستزلاميين لعقد صفقات مع من كانوا خصوم الماضي علّها تحول دون كشف أحجامهم الحقيقية... يدعو حقاً الى السخرية. والمستغرب أن الاستزلاميين الأكثر تذللاً والأسرع جرياً كانوا حتى الماضي القريب الأكثر فصاحةً في حملات التحريض (التوريطية) على المعارضة ... الموصومة بـ«الفرانكو ـ أميركية».

أي رسالة توجهها «صحوات» قوى الاعتراض وتذللات صغار الاستزلاميين؟ ومَن عليه استيعاب معناها قبل غيره؟

اعتقد أن «حزب الله» و«حركة أمل» هما الجهتان المطلوب منهما قبل غيرهما استيعاب الرسالة المزدوجة.

فهما القوتان الجماهيريتان القادرتان على إجراء عملية تقييم ذاتية لخطورة المرحلة من دون إيحاءات أو إملاءات. وعليهما قبل غيرهما مسؤولية الإسهام ايجابياً في إعادة مفهوم المواطنة إلى التداول، عبر الانخراط في حوار وطني عاجل مع الممثلين الحقيقيين الآخرين للشعب اللبناني، وإطلاق حوار داخلي ضمن الساحة الشيعية يتعامل مع حرية التفكير والتنوع السياسي كظاهرة صحية ديمقراطية... لا كمحاولة تآمرية من «الأعداء» لإحداث اختراق أو شرخ في جسم الطائفة.