الحب غير المقدس

TT

عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، قطعت السلطات الاميركية صلاتها بالجماعات الاسلامية المنافسة على الحكم في منطقتنا. كان الوضع بالنسبة لها لا يُحتمل. وفي الأشهر القليلة الماضية عادت الاتصالات والمقابلات بشكل حذر، ومع كل الجماعات تقريبا باستثناء الجماعات الفلسطينية و«حزب الله» اللبناني.

فهل تعاون الاحزاب الاسلامية العراقية مع الأميركيين، ومن ثم نجاحهم في الانتخابات، وبلوغهم السلطة وراء هذا الانفتاح الجديد بين العدوين التقليديين؟

نتذكر ان بعض رموز «جبهة الإنقاذ» الجزائرية عاشوا في واشنطن لاجئين في كنف الحماية الاميركية حتى هجمات سبتمبر. ونعرف انه كانت لواشنطن علاقة مستمرة بالجماعات الأصولية المسيّسة في الخليج من خلال السفراء والمندوبين، وحديثا ترافق فتح النوافذ للإخوان المسلمين السوريين مع شن حملة ضد دمشق إثر اغتيال رفيق الحريري. أما أم الحركات، أي حركة الاخوان المسلمين المصرية، فان الأنباء تفيد بأنها عاودت الحوار مع واشنطن من خلال اجتماع في الدوحة.

ولو كانت كل هذه القصص صحيحة فلا غرابة لسبب براغماتي. فالولايات المتحدة لا تستطيع ان تدعو لديمقراطية ومشاركة شعبية من خلال الانتخاب من دون ان تقبل بالنتائج. والنتيجة في معظم الأحايين اسلامية مسيّسة. ولكن المشكلة لم تكن قبول واشنطن بالجماعات الاسلامية، لأنها تعاملت معهم في فترات مختلفة بل وحاربت الى جانبهم، وآخرها في افغانستان ضد الشيوعيين، بل قبولهم بها. فأدبياتهم مؤسسة على رفض القوى الغربية، وهو رفض بنت شعبيتها عليه. وقد اتهمت هذه الأحزاب بالنفاق السياسي من جانب الانظمة السياسية لأنها تنتقد حكوماتها، ثم تتفاوض مع واشنطن او باريس او لندن. كما اتهمت بالتدليس، من قبل واشنطن نفسها، كما حدث مع حركة حسن الترابي في السودان، فقد سعى الترابي لمقابلة السياسيين والبرلمانيين في واشنطن، مروجا إيمانه بعلاقة مميزة، في نفس الوقت الذي كان يؤسس فيه علاقة مع جماعات مسلحة، يقودها بن لادن والظواهري وغيرهما، نفذت عددا من العمليات العسكرية المعادية. وفشل مشروع الترابي وانتهى اخيرا بهجوم صاروخي اميركي ضده.

الحقيقة غامضة في علاقة الخصمين، ومع هذا، فمن الملاحظ ان واشنطن انقلبت على موقفها السابق، وأعطت مؤشرات على انها تريد علاقة جديدة مع القوى الاسلامية، والاعتراف بها إن نجحت في الوصول الى الحكم شرعيا. وقد يسأل البعض ما العلة في علاقة اعتراف القوى ببعضها بعضا؟ والإجابة نراها في المواقف الاساسية عند الجانبين. فكيف ستبرر واشنطن مواقفها المعادية السابقة، وكيف سيبرر الاسلاميون لغتهم المزدوجة; لغة المنبر الرافضة المحرضة، ولغة الحب وراء أبواب مغلقة؟ كيف ينهون عن سياسة ويأتون مثلها؟

ربما في السياسة لا غضاضة في التناقض، وحتى الازدواجية، انما ستبقى الحقيقة ان المنطقة نفسها لن تسعد كثيرا في ظل هذا الحب غير المقدس. المنطقة في حاجة الى وضوح ومصارحة وتصحيح المسار وتصويب اللغة ونبذ خطاب الكراهية، وهو أمر أشك كثيرا في تنفيذه.