مفتاح أو مغلاق؟

TT

بعد نجاحي في التخلص من المفتاح الصدئ بتسليمه إلى شرطة مدينة كارديف، تنفست الصعداء وحمدت الله. وبعد أن نسيت كل شيء عنه، تسلمت رسالة تحمل اسم وعنوان مركز الشرطة. قلت يا ساتر!. فتحت المظروف لأقرأ: «لقد قمتم بتسليم مفتاح ضائع، وقد مضت الآن المدة المنصوص عليها في قانون الودائع واللقيات والمفقودات لعام 1887، وتعديله بذيل القانون رقم 854 لسنة 1913، من دون أن يتقدم أحد بالمطالبة بالمفتاح المذكور تحريرياً أو شفهياً، بالأصالة أو الوكالة أو النيابة.. وعليه، فبموجب قانون ذيل القانون المشار إليه والنظام الصادر بموجبه بتاريخ 5 ابريل 1926، وتعليمات مديرية الشرطة العليا الموجهة إلينا بتاريخ 17 مايو 1929، يسرنا ان نعلمكم بأن المفتاح المذكور الذي عثرتم عليه على جانب طريق بريكن الريفي قد أصبح من ملككم الخاص. يرجى حضوركم إلى هذا المركز خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين لتسلم المفتاح والتوقيع بدخوله في عهدتكم».

يعني ذلك بعبارة أخرى، قطع مائتي ميل ثانية إلى كارديف لتسلمه. بالطبع فكرت بتجاهل الرسالة وغسل يدي من الموضوع، لكنني تذكرت تذمر العريف وتحذيري من إضاعة وقت الشرطة. ربما يقومون بإلقاء القبض عليّ وسوقي للمحاكمة بهذه التهمة، رغم ان المفتاح المذكور قد استهلك من وقتي أكثر مما استهلك من وقت الشرطة. لكن وقت المواطن، بل وحتى حقوقه، لا تعد شيئاً بالنسبة لوقت الحكومة وحقوقها. استسلمت للأمر وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله. وأخذت أعد نفسي للسفر. وبعد أن شحنت السيارة بالبنزين، ألقيت نظرة ثانية على رسالة الشرطة، وفي هذه المرة وقع نظري على الملاحظة في آخر الرسالة: «إذا لم تحضر في المدة المنصوص عليها فستقوم مديرية الشرطة ببيع المفتاح بموجب المادة 99 من قانون الودائع واللقيات والمفقودات لعام 1887، المشار إليه آنفاً، وحسب تعليمات مديرية الشرطة العليا المؤرخة 17 مايو 1929، وتحويل ثمن البيت لأيتام وأرامل الشرطة عملاً بمنطوق النظام الداخلي لجمعية مساعدة أيتام وأرامل الشرطة».

قلت الحمد لله أن أصبحت مصدراً لرفاه أيتام وأرامل الشرطة البريطانية، وأرجو لهم كل الخير والرفاه. نزلت من السيارة وقد تخلصت من مشقة السفر مائتي ميل من لندن إلى مركز شرطة كارديف. عدت إلى غرفتي جذلاً وقد تخلصت من مشقة هذا المفتاح اللعين الذي تحول إلى نغصة في حياتي لا تقل بشيء عن نغصة حذاء أبي القاسم الطنبوري. ألف الحمد لله. جلست وراء مكتبي لأكتب مقالة عن سيرة هذا المفتاح الذي تصورت أنني قد فرغت من أمره، ولما أفرغ.

فبعد دقائق قليلة، سمعت أم نايل تصرخ بي في المطبخ: «أنت هناك! أين وضعت مفتاح السرداب؟ أريد أن آخذ غرضا من أغراضي. أين المفتاح؟».

جمد الدم في عروقي، تذكرت عندئذ فقط أن ذلك المفتاح الطنبوري اللعين كان مفتاح سرداب بيتنا، أخذناه معنا في قضاء عطلتنا في ويلز. لا عجب ان لم يتقدم أحد للمطالبة به. أسرعت ثانية إلى السيارة، وكانت خطى كتبت علينا. مائتا ميل إلى كارديف وأنا أفكر بالعريف وما سيقوله لي عن إضاعة وقت الشرطة، بل وحرمان أيتامهم وأراملهم من ثمن مفتاح.