أميركا و«الإخوان»: عودة لتحالفات أيام زمان!

TT

لم تعد المسألة مسألة تخمينات وتقديرات، ولقاءات عرضية عابرة، فهناك معلومات رسمية، تداولت وسائل الاعلام جوانب رئيسية منها، تؤكد ان ما بين أميركا، ومعها الاتحاد الأوروبي، وبين الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن وفلسطين أيضاً، على اعتبار ان حركة «حماس» هي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، قد تجاوز مجرد الغزل البريء المتبادل، وان الأمور بين هؤلاء وأولئك قد دخلت مرحلة إعداد البرامج والتصورات المشتركة.

وبالطبع فإن الإخوان المسلمين في جميع الدول المشار إليها آنفاً يتحاشون الحديث عن هذا التطور الذي إذا استمر بالوتيرة الحالية، فإنه سينعش تحالفاً قديماً بلغ ذروته في عقدي خمسينات وستينات القرن الماضي، عندما كانت مصلحة الطرفين تلتقي عند نقطة واحدة هي التصدي للمد اليساري والقومي ومواجهة المد الشيوعي، الذي وفقاً لتقديرات هؤلاء، كان يجتاح المنطقة.

ومما يثبت ان القضية، على هذا الصعيد، تجاوزت مرحلة أنه «لا دخان بلا نار»، ان «إخوان «مصر والأردن وسوريا وفلسطين أصدروا قبل فترة، في تناغم عجيب، بيانات سياسية تضمنت جرعات قوية من الجرأة على أنظمة هذه الدول، أعلنوا فيها شروطاً يصفها بعض المراقبين بانها تعجيزية، وان هدفها هو إلزام الأنظمة المذكورة بتراجعات متسلسلة، وعلى أساس أن كل تراجع منها سيؤدي الى تراجع آخر أشد خطورة وأكثر جوهرية.

والواضح، وهذه مسائل غدت ملموسة لمس اليد، ان الإخوان المسلمين والتيارات الاسلامية، التي تدور في فلكهم والمتآخية معهم، ليس في مصر والاردن وسوريا وفلسطين فقط، وإنما في المنطقة كلها بما في ذلك الكويت والمغرب واليمن، قد أدركوا في السنوات الأخيرة كم انهم ارتكبوا خطأً فادحاً عندما انجروا للمزايدات، وفكوا تحالفهم القديم مع الغرب بصورة عامة، ومع أميركا وبريطانيا على وجه التحديد وبصورة خاصة.

وبالمقابل فقد بات واضحاً أيضاً ان أميركا بعد عامين من حربها الكونية على الإرهاب، أيقنت انها غدت بحاجة للعودة الى مستودع تحالفاتها القديمة، أيام الحرب الباردة، وأنها أدركت فداحة الحماقة التي ارتكبتها عندما ما ان انتهت من مواجهتها مع الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي حتى أدارت ظهرها لـ«الإخوان المسلمين»، الذين كانوا خنجرها الذي غرزته في خاصرة عبد الناصر وسيفها المرهف الذي وضعته على عنق حزب البعث، وكل الأنظمة التي كانت تعتبر تقدمية ويسارية وحليفة، إن بشكل أو بآخر، للكتلة السوفياتية.

وحسب التقديرات، بل والمعلومات أيضاً، فإن أميركا قررت إخضاع استعادة تحالفها القديم مع الاخوان المسلمين وقوى وتيارات «الاسلام السياسي» الى مراحل تأهيلية وعلى طريقة المراحل المدرسية بحيث قبل ان يصبحوا مرشحين للحلول محل الانظمة القائمة، أو بعضها، يصبحون قادرين على إدراك معطيات ما بعد انتهاء الحرب الباردة، ومتطلبات هذا القرن الجديد الذي دخلته الحضارة البشرية.

وبوضوح أكثر فإن ما يريده الأميركيون في هذه المرحلة، حسب ما يقال، يقتصر على مجرد إخضاع «الاخوان المسلمين» «وكل تيارات» الاسلام السياسي» الى إعادة تأهيل والى ترويض يضعانهم في منتصف دائرة معطيات القرن الواحد والعشرين، وبحيث يتخلون عن كل تشددهم السياسي الحالي ويعترفون بإسرائيل ويقبلون بالمساومة التاريخية معها، ويتخلون عن منطلقاتهم العقائدية المتزمتة، ويوافقون على إعطاء المرأة حقوقها، ويؤمنون بالديمقراطية والتعددية، ويقبلون بالآخرين ويرفضون صراع الحضارات.

لا تريد أميركا من الاخوان المسلمين وتيارات الاسلام السياسي «المعتدلة» في هذه المرحلة أكثر من استخدامهم أداة للضغط على بعض الانظمة العربية التي يرى الاميركيون انها متخلفة عن ركب الاصلاح العالمي وأكثر من التلاؤم مع معطيات ما بعد الحرب الباردة** إنها أي أميركا لا ترى ان الوقت أصبح ملائماً كي تطرح هؤلاء، او تدفعهم لطرح أنفسهم، كبدلاء للأنظمة القائمة، فالمشوار لا يزال طويلاً وتجربة «حركة طالبان» التي من مفرختها خرج كل هذا الارهاب وخرج اسامة بن لادن وقاعدته لا تزال طرية وماثلة للعيان* ويبدو ان الاخوان المسلمين، وهذا ما يمكن إستشفافه من بيانات «إخوان» مصر وتصريحات كبار قادتهم، لا يريدون اكثر من التخلص من الاوضاع الراهنة، ومن اعادة ترتيب صفوفهم والتهيئة لإنطلاقة جديدة، ربما بعدها تصبح هناك امكانية للوصول الى الحكم، ليس بالاغتيالات والانقلابات العسكرية هذه المرة، ولكن من خلال صناديق الاقتراع وفي أسوأ الظروف من خلال العصيانات المدنية.

لكن «إخوان» سوريا، كما يبدو، يختلفون عن «إخوتهم» في مصر والاردن ودول عربية أخرى، بانهم باتوا على قناعة بأن نظام البعث غدا كتفاحة آيلة للسقوط وانهم وحدهم، نظراً لعدم وجود قوى معارضة حقيقية اخرى، المؤهلون لالتقاط هذه التفاحة وتعبئة الفراغ المتوقع والحلول محل النظام القائم الذي يصفونه، ويوافقهم الاميركيون والاوروبيون وبعض العرب على ذلك، بأنه يعيش عزلة تامة وان الشعب السوري سئمه وانه يلفظ أنفاسه الأخيرة!!

لقد وجَّه «إخوان» سوريا في الفترة الاخيرة نداءً وصفوه بأنه «النداء الوطني للإنقاذ» دعوا فيه الجيش السوري، وهذه إشارة في غاية الأهمية، الى إحداث التغيير «المطلوب«، وهنا وإذا صحت المعلومات التي تقول ان الاميركيين باتوا مقتنعين بأن الاسلاميين هم البديل الواقعي لنظام البعث في دمشق، ثم وإذا صدقت معـــلومات «لوفيغارو الفرنسية» التي تقول ان «الاخوان» السوريين أصبحوا جاهزين للعودة الى بلادهم، فإن معادلات كثيرة في هذه المنطقة ستتغير، وإن «إخوان» الدول العربية الاخرى ستزيد ثقتهم بأنفسهم، وانهم بدورهم لن يتوانوا عن استهداف رؤوس أنظمة دولهم.