ضرب المرأة... ثقافة من هذه..؟

TT

لم أصدق عينيَّ وأنا اقرأ الرقم المعروض على الشاشة، فعدت لأفتحهما وأغلقهما مرة أخرى، فإذا بالرقم يبرق أمام ناظري متحديا وممعنا في الاستهزاء قائلا: إن 89% من النساء في الأردن يوافقن على ضرب أزواجهن لهن في حالة عدم إطاعة أوامر الزوج!

وأكد الاستفتاء أن ظاهرة ضرب الزوجات في الأردن ليست مقتصرة فقط على طبقة اجتماعية معينة، ولكنها تسجل ايضا حتى ضمن الشريحة التي تلقت تعليما عاليا* وقد أرفق ذلك الاستفتاء الذي عرضته إحدى القنوات الاخبارية بتقرير عن سيدة ضربها زوجها ضربا مبرحا لأنها لم تقم بإعداد وجبة الغذاء، وقد كان يبدو من مظهر السيدة التي غطت وجهها وقيل ان اسمها أم محمد، انها ليست صغيرة السن بل ربما تجاوزت السن التي تستطيع فيها أن تتولى مهام إدارة المنزل والقيام على شؤونه. وفي الحقيقة ان ما جعلني أفغر فاهي دهشة واستغرابا هو تفاعل تلك السيدة مع الحدث، فقد قالت: أنا أعرف أن من حقه أن يضربني! ولكن ليس بهذه القسوة، لقد تحول جسدي إلى قطعة من التوت!

وهنا لا بد أن ترتفع قائمة طويلة من الأسئلة أمام ناظرينا، يأتي في مقدمتها سؤال يقول: ما الذي يجعل المرأة العربية تستمرىء الظلم؟! ما الذي يدفعها لتقبل الاهانات وامتهان كرامتها وابتلاع حقوقها من قبل الرجل؟! ما الذي يجعلها تعتبر أن من حقه أن يضربها وأن الواجب عليها هو الرضوخ والسكوت؟! وأي ثقافة تلك التي تلتف بها لتحولها إلى أداة طيعة في يده يحركها ذات اليمين وذات اليسار حتى يصل بها الأمر إلى موافقته في حال ظلمه لها؟! بل أي ثقافة تلك التي تجعل المرأة تقدس الطغيان وتنظر إلى الرجل الذي يعاملها بقسوة، بالكثير من الاحترام والتبجيل؟! أي ثقافة تلك التي تحول شخصية (سي السيد) ـ أحد أبطال ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة ـ إلى بطل ترمقه عيون النساء ويسقطن صريعات إعجابهن به؟ وهل تحتقر المرأة العربية في أعماقها الرجل المتحضر المسالم الذي يتعامل معها بندية ورقي وتفر منه إلى ذلك الذي يعاملها بوحشية وقسوة ويشعرها بتعاليه عليها ؟! وهل تحيط ثقافتنا مفهوم الرجولة بدائرة محددة من التصرفات والمواقف قوامها القوة الغاشمة والاستبداد، فإذا خرج الرجل عن أطرها أُتهم أنه ناقص الرجولة؟!

في رأيي أن هذه الثقافة المريضة هي التي تخلق من المرأة كائنا غير سوي يبحث عن جلاد يسومها سوء العذاب، ويجعلها تحترم هذا النموذج ومن ثم ترضخ له وترضى بأن تعيش حياة تستلب فيها كرامتها وتنتهك من خلالها إنسانيتها، ثم تمرر هذا الاستلاب والخضوع إلى الأجيال التي تربيها فترضعهم الخنوع والضعف والمذلة. كما ان هذه الثقافة هي أيضا المسؤولة عن نشوء علاقات غير سوية بين الرجال والنساء، لأنها تحقن الرجل بأوهام ذكورية مريضة ونرجسية بغيضة تشعره أنه في مكانة أعلى من مكانة المرأة وأنه يتوجب عليها تقديم فروض الولاء والطاعة له حتى في حالة إدراكها لتجنيه عليها وشعورها بظلمه لها، في نفس الوقت الذي تضخ فيه داخل عروق المرأة أنها مخلوق ناقص الادراك غير مكتمل الوعي وأنها غير قادرة على الحكم الصائب على الأمور، وأنها محتاجة دائما لذكر يحميها ويذود عنها وبذلك تتم عملية الاستلاب الكاملة بتجريدها من الثقة بنفسها وهي أهم سلاح يواجه به الإنسان الحياة وإشكالياتها. فماذا نتوقع من الفتاة التي تُنّشأ وهي تشعر أن أخاها الأصغر منها يفضلها ويتفوق عليها لمجرد كونه ذكرا؟! وماذا نتوقع من الفتى الذي يُصب في وعيه أن له امتيازات على أخته حتى لو كانت تكبره سنا وتفوقه وعيا وتجاوزه تجارب وحكمة؟! وماذا نتوقع من رجل تعلم أن له حقوقا على المرأة ولم يتعلم أن عليه كي يحصل على هذه الحقوق أن يؤدي الواجبات المنوط به القيام بها؟!

والاشكالية الأكثر صعوبة تكمن في عدم وجود آليات تدافع عن المرأة في حالة وقوع الظلم الاجتماعي عليها، فتجعلها تتنازل عن حقوقها كما فعلت المذيعة السعودية (رانيا الباز) حين تنازلت عن حقها وتسامحت مع زوجها الذي شرع في قتلها وأنقذتها عناية السماء من موت محقق في آخر لحظة* فقد تسامحت معه كي تنال حق حضانة ولديها، في حين ان القانون لم يحجب هذه الحضانة عن رجل شرع في ضرب زوجته حتى وصل بها إلى حافة الموت مع سبق الاصرار والترصد قائلا لها: تشهدي! ولا أدري كيف يعطى حق الحضانة لأب قاتل مهوَّس بينما تتجرد هي من هذا الحق؟!

وحين تناقلت صحفنا باحتفالية استنكار واستهجان علماء الدين في هيئة كبار العلماء على الولي أن يحجر على ابنته ويمنعها من الزواج ممن ترتضيه ـ وهو ما يحدث كثيرا في مجتمعاتنا منطلق التسلط أو القيم القبلية والأعراف الاجتماعية أو الرغبة في الاستفادة من مرتب الفتاة ـ لم تقدم آليات تشريعية تستطيع بها الفتاة أن تأخذ حقها في أن تكون ولية نفسها* وقد يحاجج البعض بأن لها أن تتقدم بشكوى في المحكمة على وليها كي تنال حقها المشروع في الزواج، ولكن هل يبدو معقولا وممكنا أن تتقدم الفتاة بشكوى على أب تساكنه نفس المنزل ولا تستطيع التحرك إلا بإذنه؟! وأقل ما يستطيع فعله أن يحبسها في المنزل ويمنعها من الخروج من دون أن تنبس بشفة اعتراض فهو وليها ومن يمتلكها؟! وقد تتعرض للضرب المبرح والايذاء الشديد من جراء اقدامها على التفكير بأمر يخالف رغباته في حين انه من أبسط حقوقها.

الشريعة الإسلامية منحت المرأة الكثير من الحقوق التي استلبتها منها الأعراف والتقاليد الخارجة من رحم ثقافة ذكورية حتى النخاع، ولقد حكت لنا كتب التراث عن عدد من النساء اللاتي عرضن أنفسهن على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك يعني أن الاسلام منحهن حق اختيار الزوج بل وخطبته لأنفسهن.

من دون سن وتشريع آليات تكفل للمرأة حقوقها ودون وضع قانون للأحوال الشخصية للأسرة، سيبقى نصف المجتمع يرزح تحت وطأة الظلم والاستبداد وسنظل ندور في دائرة علاقات غير سوية ستؤثر على سلامة البنية الاجتماعية إلى أجل غير مسمى.

* كاتبة سعودية