صراع العقارات في العراق

TT

يقاتل الجنود الاميركيون في العراق من اجل المساهمة في ضمان تشكيل حكومة ديمقراطية ذات سيادة. ولكن ماذا يحدث عندما تتعارض تلك التطلعات مع الاحتياجات الامنية الاميركية قصيرة المدى التي ربما تؤثر على سلامة الجنود؟

المشكلة هي النزاع المتواصل في بغداد حول مبنى تتطلع الى البقاء فيه كل من القوات المسلحة الاميركية والجمعية الوطنية العراقية. ومصير المبنى ـ الذي اصبح تجسيدا لصدام اكبر ، وهو متوقع بين الولايات المتحدة والمصالح القومية العراقية ـ تصاعد بحيث وصل الى مستشاري الرئيس بوش الاساسيين في اجتماع استراتيجي في البيت الابيض.

ويحدثنا التاريخ ان التوتر بين قوة احتلال متراجعة وسياسيين وطنيين يسعون للسيطرة على بلادهم هو أمر حتمي ، ولكن من الممكن السيطرة عليه ـ اذا ما بذل الجانبان جهدا للعثور على ارضية مشتركة.

ويعني ذلك بالنسبة للعراقيين الصبر والبراغماتية، بالاضافة الى التصميم، وهم يستعيدون السيادة الكاملة، وبالنسبة للاميركيين يعني ذلك تسليم السلطة الى هؤلاء السياسيين بطريقة اسرع مما عليه الان.

وهنا يدخل المبنى المكون من اربعة طوابق ويضم 300 غرفة ـ اقيم في العهد الملكي لاجتماعات الجمعية الوطنية ـ في قضية تحرير العراق المستمرة.

ويقع المبنى خارج المنطقة الخضراء، حيث يعيش المسؤولون الاميركيون ويعملون، وحيث كانوا يديرون سلطة الاحتلال التي تم حلها رسميا في شهر يونيو الماضي. وقد حددت السلطة المبنى باعتباره مقرا لوزارة الدفاع، وتم تجديده بكلفة بلغت على الاقل 30 مليون دولار ـ كل ذلك بدون استشارة مجلس الحكم المؤقت.

وكانت ثورة 1958 في العراق قد منعت هيئة منتخبة من استخدام المبنى. ولكن هدفه التاريخي، بالاضافة الى موقعه السياسي غير الملوث ومساحته الضخمة، جذبت انتباه الجمعية الوطنية التي انتخبت في 30 يناير الماضي وتضم 275 عضوا.

وكانت الجمعية تجتمع في غرف مستأجرة في مركز للمؤتمرات خارج المنطقة الخضراء. وقد وقعت عدة حوادث ادعى فيها اعضاء المجلس تعرضهم للاساءة على يد القوات الاميركية الذين يسيطرون على المنطقة الخضراء، عززت رغبة الجمعية في العثور على مقر جديد ـ وهي رغبة تحولت الى قرار وخطاب إخلاء الى وزارة الدفاع.

الا ان هذا النزاع اكبر بكثير من مجرد خلاف على عقار. فهو يرمز الى تصميم الجمعية المنتخبة على السيطرة على القوات المسلحة والاستخبارات، التي شكلتها السلطات الاميركية من بقايا النظام السابق. ويقول واحد من اعضاء المجلس في اتصال هاتفي من بغداد «ان السؤال هو الى من يدين الجيش والاستخبارات بالولاء: الولايات المتحدة ام الحكومة العراقية التي تقول الولايات المتحدة انها ذات سيادة».

ويعتبر الحلفاء الشيعة لرئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري ان الجيش العراقي وقيادة الاستخبارات مليئة بالجواسيس والمخربين والنصابين الذين خدعوا الاميركيين ، فيما يصر المعسكر الشيعي على ان «تنظيف البيت» سيعطي الحكومة الجديدة الشرعية التي تحتاجها لهزيمة التمرد.

وذكرت القيادات العسكرية ان نقل مركز العمليات العسكرية من المبنى المتنازع عليه سيؤدي الى اثارة الاضطراب في العمليات الجارية الان ويعرض الجنود الاميركيين للخطر. وذكر لي مسؤول كبير أن «أي احتمالات بتخفيض القوات هذا العام تعتمد على المضي قدما في جهودنا الحالية».

الا ان مساعدي بوش يعترفون بانه في النهاية يجب قبول سيادة العراق والاعتراف بها، ولم يتخذوا أي قرار بمواجهة الجمعية الوطنية بخصوص المبنى. وبدلا من ذلك تجري مناقشة حل براغماتي يدعو الى مشاركة المبنى بين الطرفين، طبقا لمصادر اميركية وعراقية.

الصراع في العراق لم يعد بين ديكتاتور شرير وضحايا عزل. ولكنه اصبح الان صراعا تتنافس فيه جماعات ذات مطالب عادلة مع بعضها الاخر ومع واشنطن للحصول على امتيازات من اجل إحكام السير نحو المستقبل، وذلك يجعل هذه الخلافات اكثر تعقيدا بلا شك.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»