عالم بلا استبداد؟

TT

هل انتهى عصر الديكتاتور؟ هل كان صدام حسين آخر صورة معلقة على جدار الحكم المستبد والفردي؟ الا يبدو هذا العالم اليوم خاليا من هتلر وستالين وموسوليني وتشاوشسكو وتيودور جفكوف، ولو لا يزال هناك الزعيم المبجّل كيم جونغ ايل، او روبرت مغوابي الخارق القدرات الذي يربح حتى الجائزة الكبرى في اوراق اليانصيب لمناسبة زفافه وهو على ابواب الثمانين؟

اين ذهبت كل تلك اللائحة الطويلة والمملة والمرعبة في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية؟ الا يبدو العالم اليوم اقل صورا مخيفة بكثير مما كان عليه قبل عقدين: الرجال الذين يطلبون من الناس ان تعبدهم. الرجال الذين يلغون المحاكم وحكم القانون. الرجال القادمون من فقر الريف وقد وضعوا ايديهم على ثروة البلاد دون أي حرج: هم الدخل وهم الموازنة وهم التوزيع فيما شعوبهم تفتقر ودولهم تتخلف؟ هل كان العراق آخر صورة على الجدار: رجل يحكم الدولة والوطن والحزب ومن حوله ولدان ولا قرار لاحد آخر في البلاد، الا اصهاره يوم كانوا احياء وقبل ان يأمر بقتلهم؟

هل ما نراه طبيعيا: ان يعجز العراق عن تشكيل حكومة في بلد كان رجل واحد يقضي في ارزاق الناس وحياتها وموتها ومستوى معيشتها ومكان اقامتها وتحصيلها العلمي وشهاداتها الجامعية؟ هل يمكن ان يتكرر ذلك بعد اليوم؟ هل يمكن ان يتحول فلاديمير بوتين الى ستالين آخر يرسل الناس بالملايين الى عذاب سيبيريا؟ واين هو ظل ماو في الصين؟ ومن منا يعرف اسم الحاكم الصيني الآن؟ كل ما نعرف ان الادارة الصينية الجديدة وضعت لينين وماركس خلف السور العظيم الذي بني لمواجهة عدو وهمي، وانها تسعى الآن الى تقليد لي كوان يو، مؤسس سنغافورة الحديثة: الشيوعي المتخرج من اوكسفورد الذي حاول تطبيق فلسفة كونفوشيوس. لقد رمى الرئيس ماو تعاليم كونفوشيوس واربعة آلاف عام من الحكمة الصينية في القمامة وفرض على مليار صيني كتابه الاحمر. ولا شك في ان ماو نجح في ردّ الفقر القاتل وتوقفت الصين عن رفع آلاف الجثث كل يوم من الشوارع. لكن الثمن البشري كان مرعبا.

لقد حقق للصينيين وجبة من الارز المغلي بالماء وثوبا موحدا واحدا وحصر عدد افراد العائلة بولادة واحدة. لكن الصين التي تقلد لي كوان يو اليوم، قد تهدد التفوق الاميركي بعد عشرين عاما. و«القيم الآسيوية» تحول المنطقة برمتها الى عالم متقدم صناعيا من كوريا الجنوبية الى اليابان الى، دائما، سنغافورة الصغيرة، فيما لا تزال بورما الديكتاتورية وكوريا الشمالية غارقتين في القهر والمجاعة والرعب وهلوسات شعراء الفظاظة والموت.

لا نزال بعيدين جدا جدا عن الوصول الى نظام ديموقراطي فكيف بالوصول الى نظام مثالي. لكن مساحة الحرية في هذا العالم تتسع على نحو مذهل. والانظمة الديكتاتورية الباقية تعامل من قبل الاسرة الدولية كالاوبئة. ولم يعد يقبل الانسان في أي مكان ان يكون انسان آخر محروما من الحرية. ولم يعد مألوفا ان يكون أي بلد عبارة عن سجن سياسي كبير. او ان يفرض رجل واحد مشيئته و«فكره» ومزاجه ومتغيراته على ملايين الاحرار من الناس. لقد كبر حجم الفرد حتى صار على حقيقته وصغر حجم المستبد حتى صار على حقيقته المضحكة ايضا. ولم يعد في امكان الملصقات والتماثيل والافلام البليدة والمملة ان تزوّر واقعا او ان تلغي مطلب الشعوب بالحرية والكرامة والحقوق البشرية. ولم يعد ممكنا ان نطالب للفلسطيني بحقوقه المشروعة من المحتل الاسرائيلي ولا نجرؤ على المطالبة بها من المغتصب الوطني.