قناة «الحرة».. مأزق مهني أولاً

TT

مرّت قرابة السنة والنصف تقريباً على انطلاقة قناة «الحرة» الفضائية من قبل الإدارة الأميركية وبتمويل من الكونغرس، والتي من بين مهامها تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي إعلامياً. ومنذ نشأتها قوبلت المحطة الناطقة بالعربية والمتمركزة في واشنطن بتشكيك ونقد حادين.

وبعيداً عن الهجوم العنيف للهوية الأميركية للمحطة وهدفها الدعائي، وهو أمر تقع فيه فضائيات عربية عدة ولكن في المقلب الآخر من المعادلة، يبقى المأزق الأساسي الذي وقعت فيه المحطة هو مأزق مهني يتجلى في عجزها عن تكريس نفسها واثبات هويتها كوسيلة إعلامية قادرة على إشباع حاجة المشاهد العربي إلى المعرفة بالدرجة الأولى..

حين يقع حدث ما مثل كارثة تسونامي أو موت البابا يوحنا بولس الثاني أو انسحاب سوري من لبنان، بل وحتى التطورات الأمنية في العراق أو في أفغانستان وهما البلدان اللذان تتصدر أخبارهما معظم نشرات القناة، فإننا ونحن نقلب في جهاز الريموت كونترول بحثاً عن صورة وخبر وتحليل ما يتعلق بالحدث ندرك أن هذه المحطة ليست الشاشة التي تلبي طموحنا المعرفي. غالباً ما نتابع القناة بخبث من يريد أن يرى الفخ الذي ستقع فيه «الحرة» لدى تناولها حدثاً معيناً وما هي أولويات نشراتها الإخبارية أو كيف سيتناول صحافيوها المادة الإخبارية في برامجهم الحوارية.

لا يكفي تركيز قناة «الحرة» على الحدث العراقي والأفغاني واشباعه تحليلاً من وجهة نظر معينة لتأكيد هويتها الإعلامية. كما أن البرامج والأفلام المترجمة عن ممثلي هوليوود وعن تفاصيل عامة وسريعة في الحياة الأميركية ليست هي التي ستغير من صورة أميركا في وعي المشاهد العربي.

في تعريفها لنفسها على الانترنت يرد على موقع «الحرة» انها قناة تسعى لتقديم «أخبار دقيقة ومتوازنة وشاملة وهدفها توسيع آفاق مشاهديها ليتمكنوا من تكوين آراء واتخاذ قرارات مبنية على معلومات صحيحة»، أي أن المحطة أعلنت لنفسها هوية إخبارية ومعرفية لم تتمكن بعد من إثباتها وهنا مأزقها الفعلي...

ليست «الحرة» القناة الوحيدة التي تحاول تمرير أفكار معينة وهي أفكار تثير تحفظات لدى كثيرين في العالم العربي، فهناك محطات أخرى سواء سياسية أو دينية في فضائنا العربي لها أيضاً أجندتها الدعائية الخاصة التي يرى كثيرون أن خطر الأفكار التي تمررها يتجاوز بكثير ما قد تحاول «الحرة» أن تروج له.. إلا أن نجاح قنوات مثل قناة «الجزيرة» في تمرير الكثير من الرسائل السياسية والدينية والتي تثير جدلاً لم ينته بعد مرده في الدرجة الأولى إلى أن «الجزيرة» ثبتت موقعها الإعلامي وهذا هو ما ساعدها على تمرير الكثير من الأفكار وهو ما عجزت قناة «الحرة» عن فعله.

لا شك أن لدى قسم من المشاهدين العرب استعدادا مسبقا لتلقي رسائل «الجزيرة» أكثر من استعدادهم لتلقي المضمون السياسي لرسائل «الحرة»، و«الحرة» لم تتعامل مع هذه المعادلة بما يتناسب معها. فلكي يقتنع المشاهد العربي بفكرة لا ينسجم معها هناك حاجة إلى جهد أكبر وتقنيات تقديم مختلفة وهو أمر لم تتمكن «الحرة» بعد من القيام به..

[email protected]