كوسبي وآخرون

TT

في المسلسل الأميركي الاجتماعي الشهير مستر كوسبي، يضع الجار ابنته في عهدة جاره العم كوسبي، ليعتني بها في غيابه لساعات، وأثناء مشاهدة الفتاة للتلفزيون بجانب العم كوسبي يخطر على بالها سؤال ذو حساسية اجتماعية، فتسأل العم كوسبي عنه، ورغم أنه رجل في السبعين له فلسفة عريضة أكتسبها عبر حياته العريضة، ورغم أن كبار السن لا يقاومون عادة سرد الحكايات الطويلة والنصح الرشيد للصغار، ورغم أن كوسبي، محل ثقة الأب وإلا لما ترك ابنته في رعايته، إلا أن العم كوسبي ينصح الفتاة بأن تناقش مثل هذا الأمر مع والدها وتسأله، ويحرص مستر كوسبي على نصح الأب بأن يستمع لابنته لأن لديها أسئلة تريد معرفه أجوبتها. هذا هو ما يسمى باحترام خصوصيات الناس وعدم التدخل في صياغة أفكار ابنائهم وممارسة الوصاية على غيرهم بحجة أنهم الأعرف، والأفهم.

مرة رأيت ابني الصغير يفتش في أرض الصالة بعد أن نزعنا بلاطها، ونحن نرمم البيت فسألته عما يبحث، قال أفتش عن الشيطان!

ما يحدث لدينا ليس فقط أن ابناءنا يتلقون الإجابات من غير آبائهم، بل يلاحقون بعمليات قصف وعصف بأفكار غريبة وخطرة، يسميها مديرو المدارس حين يشتكي الأب منها، أنها ممارسات فردية خاطئة. هذه الممارسات الفردية الخاطئة يمكن قبولها لو أنها حدثت في الشارع في ظرف غير مراقب، لكن حين تحدث في مدرسة يرعاها نظام تعليمي يقوم على رعايته وحراسته طاقم من المشرفين والمعلمين والمديرين والمراقبين، فهذا خلل في النظام غير المتحكم بحسن إدارته وليس خطأ فرديا حدث بالصدفة.

المعلمة التي أخذت الأطفال الصغار إلى مكتبة المدرسة وعرضت عليهم فيلما عن ضحايا الشيشان في حصة الفراغ ثم ختمت عملها التربوي الجليل بجمله: لا تقولوا لماما وبابا، كانت تعرف على ما يبدو أنها تمارس خطأ تربويا لكنها تعاند النظام الذي يدفع لها راتبها.

والمعلم الذي يأخذ طالبا في حديث جانبي منفرد، ليخبره بمدى إعجابه ببطولة أسامة بن لادن ليس خطأ فرديا طالما أن المدرسة لا تراقب قانون منع الأحاديث الشخصية الجانبية بين المدرس والطالب، خوفا من تكرار الأخطاء التي تكررت الشكوى منها. والمدرس الذي يأخذ طالبا بعد انتهاء وقت المعسكر في سيارته الخاصة، بدلا من أن يعود في الحافلة مع أصدقائه ليس خطأ فرديا طالما انه لم يحذر من فعله. والمعلمة التي كتبت عنها الكاتبة ليلى الأحدب في جريدة «الوطن» السعودية، وقالت عنها، إنها أكدت لطالباتها أن عمل المرأة كطبيبة أو ممرضة حرام، فتنصح الكاتبة ليلى بأن الطالبة يجب أن تحاججها بعمل المرأة في عهد الرسول من تطبيب وتمريض لجرحى الحرب.

تمرير آراء شخصية ليست في المنهج، ولا في المنطق. هل نتوقع من أبنائنا الصغار أن يدخلوا في محاججات لا يقواها عقلهم الصغير مع أساتذتهم مع التأكيد على أن المعلم يلوح دائما بعصا العلامات التي تنقص كلما طال لسان الفتى؟

آخر شكوى من والدي طالبة، هي أن مدرسة ابنتهم حظيت في الأسبوع الماضي، بزيارة داع وداعية حذراهم من مخاطر برنامج (ستار أكاديمي) لكن واحدا منهما، زاد بأن أدخل المنتمين لمذهب إسلامي في النار وكفرهم، في وقت أن طالبة من اتباع هذا المذهب كانت تجلس بين زميلاتها تسمع هذا الكلام ويسمعه الجميع عنها!

عندما نبعث ابناءنا للمدارس، فاننا نكون قد دخلنا في اتفاق أدبي معهم، في مشروع حماية أبنائنا من الشطط، ولكن هذا لم يعن أبدا التنازل عنهم على طريقة آبائنا القديمة لكم اللحم ولنا العظم، فذلك عصر ولى وانقضى!

[email protected]