الدرس الذي لم تستوعبه أميركا بعد..!

TT

قال بيل غيتس في الكلمة التي ألقاها خلال قمة حول التعليم في الولايات المتحدة ان «المدارس الاميركية باتت بالية»، وشرح مفصلا ان وصفه لهذه المدارس بأنها «بالية» لا يعني فحسب ان مبانيها اصبحت قديمة او متصدعة، او ان التمويل المخصص لها غير كاف. قال بيل غيتس: «أقصد بكلمة بالية، ان مدارسنا الثانوية حتى عندما تعمل وتدار على النحو المخطط له، لا تستطيع ان تدرس التلاميذ والتلميذات ما ينبغي ان يحصلوا عليه من معرفة في عالم اليوم».

وقال غيتس في معرض الكلمة التي ألقاها في المناسبة المذكورة: «تدريب قوة عمل المستقبل في مدارسنا الثانوية بوضعها الراهن أشبه بمحاولة تدريس تلاميذنا علوم اجهزة الكمبيوتر الحديثة باستخدام الأجهزة التي ظهرت قبل خمسة عقود. جرى تصميم مدارسنا قبل نصف قرن لتلبية حاجات عصر مختلف، وإذا لم نعد تصميم مدارسنا على نحو يجعلها قادرة على تلبية احتياجات القرن الواحد والعشرين، فإننا سنحد، وربما نحطم، قدرات ملايين الاميركيين سنويا».

بمعنى آخر، يقول غيتس إننا اذا لم نصلح التعليم الاميركي، فإنه لن يستطيع تخديم خريجي مؤسساته، واعتقد ان هذه نقطة مهمة.

للأسف نقلت بعض وسائل الإعلام بضعة مقتطفات من حديث غيتس خلال الاستراحات التي تخللت نقل محاكمة مايكل جاكسون. ولكن لا توم ديلاي ولا بيل فريست دعيا الى عقد جلسة مسائية للكونغرس ولا حتى جلسة خلال اليوم بغرض مناقشة ما قاله بيل غيتس. ربما كانوا منشغلين مع الاميركيين الذين لا يعتقدون في التطور.

في المقابل، ما يزال الرئيس بوش مصرا على موقفه ازاء خصخصة نظام الضمان الاجتماعي، لذا ليس ثمة غرابة في بروز الولاية الثانية لبوش كأكبر عملية إضاعة للوقت.

عرض الرئيس بوش فكرة كبرى في مجال السياسة الخارجية تمثلت في توسيع قاعدة الحريات، وعلى وجه الخصوص في العالمين العربي والاسلامي، حيث غياب الحريات كان واحدا من العوامل وراء هجمات 11 سبتمبر. ولكن على الصعيد الداخلي يفتقر الفريق العامل مع بوش الى أي فكرة او أفكار كبرى، وبالتأكيد ليس هناك أي أفكار تتعلق بالتحدي الذي يواجهنا اليوم والمتمثل في تمهيد ساحة الاقتصاد الكوني على نحو يسمح بمشاركة وتعاون المزيد من الناس من مختلف الأماكن مع أطفالي وأطفالك.

قال لي رئيس هارفارد، لورانس سامارز: «لأول مرة في التاريخ سنواجه منافسة من الدول التي ذات الأجور المتدنية والاهتمام بالانسان كرأس مال مهم، كما هو الحال في الهند والصين وقارة آسيا». يقول سامارز ايضا ان الازدهار والتطور يتطلبان ما هو اكثر من مجرد توفير تعليم مواكب لتطورات العصر لأطفالنا، إذ من الضروري التأكيد على تطوير قدرات وإمكانيات ومعارف المزيد من الشباب الاميركي. ويشدد سامارز على ان كيفية تحقيق هذا الهدف سيحدد وجهة وطبيعة الاقتصاد السياسي للولايات المتحدة خلال عدة عقود مقبلة. لا يمكن بالطبع الاستمرار في الاعتماد على استيراد المهارات والقدرات التي نحتاجها، فقد اصبح بالإمكان ان يبدع الشخص ويبتكر من دون الحاجة الى الهجرة. كما باتت عبارات مثل «العودة الى بانغالور» و«العودة الى الصين» مألوفة في وادي السيليكون، في إشارة الى الاستفادة من مهارات الكوادر المتوفرة في هذه المناطق من دون الحاجة الى هجرتها.

مواجهة هذا التحدي تحتاج الى مجموعة من الأفكار. فإذا أردنا مواكبة ما هو مطلوب، يجب الرجوع الى كتاب صدر حديثا بواسطة جون هاغيل وجون سيلي براون بعنوان The Only Sustainable Edge. يقول هاغيل وبراون ان الانتاج بتكلفة منخفضة في عالم اليوم بات يتحرك بسرعة اكبر من العوامل البنيوية، مثل الموارد الطبيعية، والى مدى السرعة التي تبني بها الدولة مواهبها وقدراتها ذات الصلة بالإبداع والابتكار والعمل التجاري.

الاقتصاد ليس مثل الحرب، اذ يمكن تحقيق الكسب فيه باستمرار، إلا ان هناك من يكسب أكثر من الآخرين. يقول هاغيل ان الدول الكاسبة هي تلك المتفوقة والسريعة في بناء المهارات والقدرات والجاذبة للمواهب والمقدرات.

ثمة إحساس حقيقي في الهند والصين بالحاجة الى مواكبة عمليات بناء القدرات والمهارات. وفي هذا السياق، يقول هاغيل في كتابه ان البعض يذهب الى شنغهاي او بنغالور ويعتقد ان هذه الدول ما تزال لم تلحق بما وصلنا اليه في مجال التكنولوجيا، إلا ان المهم في الأمر، كما يقول هاغيل، ليس القدرات الحالية وإنما سرعة وتقدم عمليات بناء المهارات والقدرات. ويقول ايضا ان الزائر لشنغهاي اليوم يدرك انها حققت تقدما منقطع النظير مقارنة بما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات، فضلا عن الخطوات السريعة والثابتة التي تمضي بها عمليات بناء القدرات والمهارات وسط الشباب ورجال الأعمال هناك.

تدرك الهند والصين جيدا انهما لا يمكن ان تعتمدا بصورة اساسية على الأجور المتدنية، لذا فهما تحاولان اللحاق بأميركا في القمة. ويبقى القول ان التركيز على تطوير قدراتنا ومهاراتنا في عالم اليوم فكرة تستحق اهتماما حقيقيا، لكنها تحتاج ايضا الى ان يطلب الرئيس بوش من الاميركيين ان يفعلوا شيئا يعزز ويطور من القدرة على الاحتمال.

* خدمة «نيويورك تايمز»