الجمال لا تقرأ الكتب!

TT

بين يدي ثلاثة كتب كبيرة الحجم، «كتاب حياتي» لبيل كلينتون عدد صفحاته 1009 صفحات، كتاب هيلاري كلينتون «تاريخ عشته» عدد صفحاته حوالي 600 صفحة، وكتاب «شيفرة دافنشي» لدان براون وعدد صفحاته 500 صفحة. عندما اشتريتها، استغربت أن أجد اليوم كتابا يغامر بطرح مثل هذا الحجم في هذا الزمن، تخيلت أن زمن قراءة كتب ديستوفسكي التي تبلغ الـ 1000 صفحة، يوم كان المرء لا يجد من السلوى غير كتاب، ليس هو العصر نفسه الذي يغامر فيه ناشر أميركي، ويدفع لبيل كلينتون عشرة ملايين دولار، مقابل نشر كتاب عن حياته.

وقد يظن البعض أن الناس قد أقبلت على شراء «كتاب حياتي» لكلينتون بسبب فضيحته مع مونيكا لوينسكي، إلا أن مثل هذه الظنون لا تصدق، لأن كلينتون لم يقدم لقرائه غير سطور أخلاقية تدين الخيانة وتأسف لها، وتشيد بمؤسسة الزواج، وتؤكد أن الزوج الخائن حتى ولو كان رئيسا لأميركا سيعاقب بالنوم على الأريكة شهرين كاملين.

هيلاري كلينتون في «تاريخ عشته» ايضا تلقت ثمانية ملايين دولار ثمنا لكتابها، أما «شيفرة دافنشي»، الذي ليس رئيسا لأميركا ولا زوجة مخدوعة، فقد طبعت منه 20 مليون نسخة، وترجم إلى أكثر من عشرين لغة، منها العربية في سنة واحدة 2004 م.

ما سبق ليس حسدا، ولا شكوى من قلة الدخل، لكنني أردت القول إن الناشرين الأميركيين ليسوا متطوعين في المجتمع الأميركي لصالح تثقيفه، الأكيد انهم لم يغامروا بإخراج بنس من دون أن يتأكدوا أنه سيعود إلى جيوبهم عشرات الدولارات لأنه يراهن على جمهور يقبل على التهام الكتب مثل السندويتشات في قطارات الأنفاق وصالات المطار. شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي، صرح أيضا بأنه يقرأ شعر محمود درويش، وانه معجب بتصويره لعلاقته بالأرض، دلالة على أن الرجل قرأ جيدا، ولم يقل هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي، ولو أن عنوانا مماثلا ظهر فيه رئيس عربي، يصرح بإعجابه بكتاب يهودي لأقمنا الدنيا فوق رأسه، ليوضح علاقتنا بالكتب.

ومع ذلك تأكد أن أول تحليل لنقص مستوى القراءة في بلادنا، ستسمعه من محللي التنظير الجاهزين للوم الآخرين، هو سيطرة الإنترنت والفضائيات على وقت الشباب، بينما الأرقام تقول عكس ذلك، ففي الخليج مثلا أعلى نسبة بلغت لمستخدمي الإنترنت في الإمارات لم تتجاوز 36%، وفي السعودية بلغت أقل، ودول الخليج 12%، كما أن هذا التحليل الجاهز، لا يفسر لك لماذا لم تتضرر مجتمعات مخترعي هذه التقنية، التي تستخدمها بأعلى نسبة في المعدلات العالمية. ولماذا ينجح سوق كتاب تتجاوز صفحاته الألف ويطبع بالملايين؟.

الكاتبة البريطانية رولينغ، مؤلفة رواية «هاري بوتر» للأطفال، كتابها فاق 500 صفحة، وطبعت منه خمسة أجزاء، لكن مشهد الأطفال في بريطانيا الذين وقفوا في طوابير ليحجزوا لهم مكانا قبل شروق الشمس سيفسر لك كيف تحولت كاتبة فقيرة مثل رولينغ لم تكن تملك طاولة تكتب عليها في البيت إلى مواطنة تكاد تكون أغنى من ملكة بريطانية في سنوات قصيرة. لهذا أظن أن تدني مستوى القراءة لدينا ليس إلا مرضا عربيا خالصا مثل معظم الأمراض المستعصية. وإن أردت أن تعرف السر، ففتش عن نظامك التعليمي، واسأل لماذا ينهض أطفالنا وهم يحملون مزودة كتبهم المدرسية، كما تنهض الجمال المحملة بالأثقال، فالجمال لا تقرأ الكتب.

[email protected]