«كفيتاس» في دمشق: أسئلة بلا أجوبة

TT

نواصل حديثنا عن تجدد الاهتمام الدولي المفاجئ بقضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر مؤسسة «كفيتاس» البريطانية ومؤسسة «بانوراما» الكندية. وكنت قد أشرت إلى بروز هذا الاهتمام المفاجئ في مقالتي السابقة في الشرق الأوسط (24/4/2005)، طارحا سؤالين: الأول حول اللغة الغامضة التي يستخدمها أصحاب هذه المشاريع في تعريف أهدافهم ومشاريعهم، والثاني حول تجاهلهم لكل إنجازات العمل الشعبي الفلسطيني الواسع الذي تم خلال السنوات العشر الماضية، والتصرف وكأن العمل يبدأ معهم الآن فقط.

لقد وصل وفد من «كفيتاس» للمرة الثانية إلى دمشق مؤخرا، وتم عقد لقاء بينه وبين مندوبين عن لجان حق العودة في سوريا، وذلك في قاعة خالد نزال التابعة للجبهة الديمقراطية في مخيم اليرموك. وسنورد هنا نتفا من الجدل الذي دار بين بعض الحاضرين لتوضيح جـو اللقاء ومــناخه.

أولا: كانت النتيجة الأولى لنشاط «كفيتاس» في دمشق، وعبر اتصالات خفية، أنها أحدثت نوعا من الاختلاف داخل لجنتين من لجان حق العودة، فأقدم أفراد من (عائدون) وأفراد من (لجان الأرض) إلى إعلان تعاونهم مع «كفيتاس» مخالفين بذلك رأي اللجان التي يعملون في إطارها.

ثانيا: في أجواء الجدل الصاخب، كانت الحجة الأساسية التي أعلنها المتحمسون لمشروع «كفيتاس» أنه «يكفينا وصاية من الخارج»، وتم شن حملة بالإسم ضد (اللجنة الراعية لحق العودة) التي عقدت قبل عامين مؤتمرا لها في لندن، وجرى القول بالتحديد «يكفينا وصاية من لندن».

وقد قام عدد من المشاركين بالرد على هذه الحجج وقالوا: لو أن جماعة «كفيتاس» جاؤونا من مخيمات جباليا أو جنين لوضعناهم فوق رؤوسنا، ثم ان جماعة لندن جاؤوا وتحدثوا معنا باللغة العربية، أما جماعة أكسفورد هؤلاء فإنهم يتحدثون معنا بواسطة الترجمة.

وقد وجد في اللقاء من سعى بجد إلى تجاوز جو المهاترة هذا، والتركيز على حديث سياسي منتج. وقال هؤلاء لوفد «كفيتاس» بشكل واضح:

1 ـ لقد سمعناكم تتحدثون بلغة عامة لم نفهم من خلالها ما هو موقفكم بشكل محدد من حق العودة، هل أنتم معه أم ضده، وكان الجواب إننا نؤيد حق العودة.

2 ـ لدينا لجان عديدة تمثل تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في مختلف المناطق والبلدان، فلماذا تتجاهلون كل هذه اللجان وتسعون لإيجاد هيئات وهياكل جديدة كما تقولون؟ وكان الجواب إننا مستعدون للتعاون مع الجميع.

3 ـ استطاعت العديد من لجان العودة، أو مراكز الأبحاث في إطار اللاجئين، من توفير عدد كبير من الأبحاث، ومن قواعد المعلومات، التي تقدم إجابات عن أي سؤال يمكن أن يطرح حول هذا الموضوع، فلماذا يتم تجاهل كل ذلك، والتوجه نحو إعداد أبحاث وقواعد بيانات جديدة؟ وكان الجواب إننا مستعدون لأخذ هذه الأبحاث بعين الاعتبار.

4 ـ إذا كانت هناك أية فائدة من إجراء استطلاعات جديدة لمعرفة مواقف اللاجئين الفلسطينيين ومطالبهم، فإننا في لجان العودة لا نمانع بذلك، ولكن نرى من الأفيد للجميع أن تقوم هذه اللجان نفسها بالإشراف على هذا العمل. فنحن نتسلم الاستمارات، ونحن نوزعها، ونحن نعيد جمعها، ونحن ندرسها ونحللها بإشراف هيئات علمية متخصصة، بعد أن عانينا طويلا من الاستطلاعات والأبحاث المغرضة التي يتم إجراؤها وإعلانها لخدمة أهداف سياسية. ولم يمانع مندوبو كفيتاس بمثل هذا التعاون (جماعة كفيتاس لا يحبذون استطلاعات الرأي).

5 ـ هنا طلب المحاورون من وفد «كفيتاس» تسجيل الموافقة على هذه النقاط كتابة، فرفض الوفد هذا الطلب، وقال إنه لا يستطيع أن يقدم جوابا مكتوبا إلا بعد العودة إلى الهيئة المشرفة على المشروع في جامعة نيفلد في اكسفورد. وانفض اللقاء على هذا الأساس وبانتظار إرسال الرد المكتوب.

ما يلفت النظر هنا، أن جامعة اكسفورد شهدت منذ عام 1993 نشاطا مكثفا للبحث في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، وذلك عبر ندوات علمية متعددة، ارتفعت فيها بكثافة الأصوات المعبرة عن حق العودة، ولم يخل الأمر من أصوات معاكسة تقول إن التطبيق غير ممكن، فلماذا إذاً تنشأ من داخل اكسفورد نفسها هيئة «كفيتاس»، وتنتدب نفسها للبحث في الموضوع نفسه؟ هل أصبح موضوع اللاجئين الفلسطينيين على أبواب اتخاذ قرار ما حتى تبرز جهات تدعو إلى بناء آليات وهياكل جديد) يعبر اللاجئون من خلالها عن آرائهم؟ وإذا كان هناك قرار ما على الأبواب فلماذا لا يقال ذلك صراحة حتى يتم التعامل مع الأمــــر بشـــفافية كامــلة، وحـــتى يتم دحر المخاوف والشـــكوك؟

وإلى جانب العمل الأكاديمي الذي شهدته جامعة اكسفورد، كان هناك عمل سياسي رسمي، تفاعل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر ما أفرزه مؤتمر مدريد، ومفاوضات واشنطن، واتفاق اوسلو. وتجسد هذا النوع من النشاط في أعمال (لجنة اللاجئين) التي انبثقت عن (المفاوضات المتعددة الجنسية) برئاسة كندا لقد تركز الجهد الكندي في الترويج لقضية التوطين، وذلك عبر زيارات قام بها وزير خارجية كندا، ورئيس وزراء كندا، إلى دول المنطقة، حيث عرضا خططا لاستقبال لاجئين فلسطينيين وتوطينهم، ولكن هذه الدعوات ووجهت برفض شعبي فلسطيني أثار دهشة واستغراب المسؤولين الكنديين في حينه، إلى أن ظهرت مؤسسة (بانوراما) من جديد في مخيمات الضفة وغزة فما الذي دفع إلى هذا التحرك الجديد؟

أما على الصعيد الشعبي الفلسطيني، فقد ظهرت منذ اتفاق اوسلو، العديد من الهيئات التي تلتقي كلها دون استثناء حول حق العودة وضرورة المحافظة عليه وعدم التفريط فيه. واللافت للنظر هنا، أن هذه الهيئات ظهرت بشكل عفوي في كل مكان يتواجد فيه الفلسطينيون.

ظهرت في فلسطين 1948 (داخل دولة إسرائيل): جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، وهي تعنى بشؤون الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك قراهم الأصلية ولم يستطيعوا العودة إليها حتى الآن، رغم وجودهم فوق أرضهم. ويبلغ عدد هؤلاء حوالي ربع مليون لاجــئ، لاجئـــون في وطنهــم.

وظهرت هذه اللجان داخل أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة (لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين ـ 1994). ووجدت كذلك لجان داخل المخيمات (اتحادات مراكز الشباب الاجتمــاعي في مخيـــم قلنـــديا)، و (اتحادات مراكز النشـــاط النســـائي في مخيــم الأمعري).

وظهرت هذه اللجان في العديد من العواصم الاوروبية والأميركية، وهي تعقد العديد من المؤتمرات السنوية بهدف التنسيق بين نشاطاتها.

ووجدت هذه اللجان أيضا كجزء من عمل الفصائل الفدائية والأحزاب (اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة) ومقرها الأردن، وهي تضم في عضويتها ممثلا عن كل حزب من أحزاب المعارضة الأردنية.

بعد كل هذا العمل الأكاديمي والرسمي والشعبي والحزبي، والذي تبرز فيه قضية حق العودة كقضية أساسية لدى اللاجئين، بينما تبرز فيه قضية التوطين كقضية أساسية في نشاطات الدول وبعض رجال السياسة، يصبح كل نشاط دولي في هذا الصدد مصدر مخاوف وشكوك، وينشأ إشكال يحتاج إلى حل، والحل واضح ومحدد، وهو أن تكشف هذه الهيئات عن أهدافها بوضوح ودقة، وأن تقول: هل هي تعمل من أجل حق العودة أم من أجل هدف آخر؟ ويكتمل الحل الواضح والمحدد حين تدق هذه الهيئات الدولية أبواب الهيئات الشعبية الفلسطينية التي ينضوي في إطارها اللاجئون الفلسطينيون، لتسألهم ماذا يريد اللاجئون؟ أما إذا فعلت غير ذلك، وتجاهلت هذه الهيئات التمثيلية، فستنشأ إشكالات كثيرة تبرز المخاوف والشكوك.

ومرة ثانية وعاشرة نقول: إن اللجان الشعبية لا تريد اتهام أحد. تريد الوضوح فقط، وتريد دخول البيوت من أبوابها.