البارونة تغادر

TT

غادرت أمس الى البندقية. لا تريد ان تبقى هنا لأنها لا تريد ان تشهد انتصارا ثالثا للعمال وهزيمة ثالثة للمحافظين. لقد سئمت مشهد المستر بلير، ولكنها تعرف انه سوف يفوز. هذه اول انتخابات لا تشارك فيها منذ 1935، عندما أوكل اليها والدها ان تعبئ المغلفات الانتخابية بأسماء المرشحين. ووالدها كان بقالا. وهي الآن بارونة في الثمانين. وكانت رئيسة وزراء في هذا البلد. كانت رئيسة الوزراء التي غيّرت شكل بريطانيا وجوهرها، وكل بريطاني مدين لها بهذا التغيير. لقد كانت، على نحو ما، مثل الملكة فيكتوريا: سيدة العمار وسيدة البناء وسيدة الحداثة. رأت الاقتصاد البريطاني يصدأ فرمته جانبا. ورأت النقابات لا تفعل شيئا سوى الاضرابات فقطعت رأسها. ورأت البريطانيين يطالبون بزيادة العطلات فقالت لهم من لا يعمل لا يأكل. اذهبوا وبلطوا بحر الشمال.

ودفع الكثيرون الثمن، الكسالى والاتكاليون والموتى الاحياء، ولكنها اعادت بريطانيا دولة كبرى من جديد. واعادت لندن عاصمة اقتصادية رئيسية بعدما كانت قد اعتادت الاستعطاء وانها مدينة «الهيبيز» والمشردين. وعندما جئنا الى لندن العام 1978 اشترينا منزلنا مع حديقته ومسبحه مقسطا على 25 عاما، بمبلغ 35 ألف جنيه. وبهذا المبلغ تشتري الآن مترين من العمار في حي عادي، او تكاد.

حزب العمال الذي هزمته وانتصرت عليه لم يعد حزب العمال. لقد غيّر سياسته وبرنامجه وهو الآن اشبه بحزب محافظين معدل. ولذلك من الصعب ان يفوز المحافظون وان يعود اللون الازرق الذي تحبه البارونة «تي»، سابقا المسز تي.

سألتها مرة صحافية، ما هي تعويذة الحظ، فقالت «عليك باللون الازرق»! لقد غادرت ثاتشر لندن كما غادر ديغول باريس عام 1969 الى ايرلندا لكي يكون بعيدا عن الانتخابات. للكبار مزاج وطني خاص ومقاييس وطنية صعبة. لذلك تعتبر البارونة ثاتشر ان طوني بلير مجرد طفل في عالم السياسة. ومن سوء حظها ان المحافظين غيروا في الاعوام الاخيرة اكثر من اربعة زعماء. والنتيجة واحدة. وأمس كان مهاجر من افريقيا يقول خلال برنامج تلفزيوني لزعيم الحزب المحافظ المستر مايكل هاوارد: «وانت؟ من انت؟ انت مجرد مهاجر غجري من رومانيا»! ولم يعترض المستر هاوارد، انه كذلك. المسز ثاتشر ابنة بقال في فنشلي. خلفها المستر جون ميجور كان ابن مهرج في سيرك للفقراء.

وفي هذا البلد وحده ينتهي عامل كهرباء عضوا في مجلس اللوردات. انهم فرسان الملك. وكل من يقدم خدمة للوطن يكافأ بلقب الى مدى العمر. رجال مبجلون عند الأمة. هنا يتقاعد السفير فيصبح «السير».

عندنا يصبح «السفير السابق». ويشطب من لائحة المدعوين الى الحفلات. والبارونة ثاتشر ذاهبة الى البندقية مع صديقة في مثل عمرها. في الماضي كان من يبلغ الثمانين حولا يشعر بالسأم. الآن تشعر السيدة الثمانينية بالخذلان فتسافر الى اشهر متحف للمياه المعلقة في العالم. لكي تنسى ان الحزب الذي اعادته الى الحياة يرفض الا ان يكون ميتا.