غلطة غلطتان

TT

وقع علماء وزعماء السنة في غلطة في العراق بموقفهم السلبي. كان عليهم فور سقوط صدام ان يمدوا ايديهم لزملائهم علماء وزعماء الشيعة ويشكلوا فريقاً واحداً لمعالجة المشاكل وبناء مستقبل مشترك. يتضمن ذلك مشاركتهم في الانتخابات بحيث يتضح فيما اذا كان الشيعة يكونون الاكثرية فعلاً وما اذا كانت اكثرية الشعب ترغب في تسليم الحكم لزعماء الشيعة.

لم يفعلوا ذلك وفوتوا على انفسهم وعلى بلدهم فرصة ثمينة. تبعهم الشيعة بارتكاب غلطة أخرى في سعيهم لتسلم الحكم.

يمر العراق الآن في مرحلة سيئة يشكل فيها اختلال الأمن عنصراً اساسياً. كانت الحكمة تقتضي اعتذارهم عن تسلم الحكم في هذه الظروف وترك أمره للسنة.

هناك من يعتقد أن السنة بما لديهم من خبرة اوقعوا الشيعة في شرك ومقلب. فالظاهر الآن ان الشيعة سيفشلون في قمع المقاومة ـ الإرهاب ـ الخطف. وعندئذ سيقال انظروا، انهم غير قادرين على الحكم! سيقال انظروا استغرقوا أربعة أشهر ليستطيعوا مجرد تشكيل حكومة، الشيء الذي كان السنة ينجزونه في 24 ساعة. باستمرار غياب الأمن سيسأم الشعب منهم وييأس ويصل الى هذا الاستنتاج: إنهم بجلاء غير قادرين على الحكم.

هذا شرك أوقعوا أنفسهم فيه بتهالكهم على الحكم والمناصب والجري وراء عصفور في اليد خير من عشرة في الغد. لقد صبر الشيعة أربعة عشر قرنا خارج الحكم. اصبروا بضعة أشهر، ولكن كلا. حلاوة البقلاوة لا تقاوم.

كانت الحكمة تقتضي ـ وهو ما قلته سابقاً ـ أن يتنحى الشيعة جانباً ويفسحوا المجال للسنة بتسلم الحكم، بل ويساعدوهم عليه. للسنة علاقاتهم مع فئات المقاومة والدول والمنظمات التي تسندها.

يستطيعون استغلال هذه العلاقات في طمأنة الرأي العام العربي وثني شوكة المقاومة. لهم ايضاً خبرتهم وعلاقاتهم ورجالهم في صفوف المخابرات السابقة. يستطيعون تسخير ذلك في سحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين والخاطفين ودحرهم. والقوى الغربية تنسجم اكثر مع زعماء السنة.

اذا فشلوا هم ايضاً في تحقيق الأمن فسيكون الوزر عليهم ويخرج الشيعة ببياض الوجه ويتسلمون الحكم عندئذ بأهلية وطلب من الشعب والدول الغربية. واذا نجحوا فستتضافر الظروف الملائمة لإجراء انتخابات معقولة ومقبولة. المثل البغدادي يقول «ابو كريوه يبني بالعبر». اذا كان الشيعة يكونون الأكثرية، أو كانت اكثرية الشعب تريدهم، فسيتسلمون الحكم بجدارة وشرف وشرعية لا نقاش فيها.

كلام معقول أو انا ايضاً غلطان؟ اذا كان كلامي معقولاً، فهل انا العراقي العاقل الوحيد وكل الآخرين اغبياء؟ كلا. هذا السيناريو الذي اعرضه يتطلب ايماناً حقيقياً بالديمقراطية واعتبارها المحك لحل المشاكل. زعماء الشيعة لا يريدون ان ينتظروا بضعة أشهر حتى يتم توطيد الأمن ثم الاحتكام للشعب. الديمقراطية تؤمن بأن عمر الشعوب يقاس بالسنين والاجيال. بضعة اشهر لا تعد شيئاً في منظور التاريخ. ولكن آه! عمر الإنسان قصير وصبر بني آدم قليل.