شباب في مهب الريح!

TT

تقول الحكاية ، إنه في يوم من أيام الصيف سافر الأب هو وعائلته إلى الإسكندرية لقضاء عطلة الصيف، بينما بقي الابن الذي كان يستعد لامتحاناته المدرسية. في عطلة نهاية الأسبوع، عاد الأب ليطمئن على ابنه، راكبا القطار من اسكندرية للقاهرة، وصادف جلوسه بجانب رجل موتور، دار كل حديثه عن فساد شباب هذا العصر، وانتشار الرذيلة بينهم، ورواج تدخين الحشيش بين طلبة الثانوية. ولم يتوقف حديث هذا الرجل عن التشكيك بكل صغيرة وكبيرة في جيل شباب اليوم المنحرف، التافه الهزيل، قليل الأدب، قليل الدين، المتكل، الكسول، حتى وصل القطار، والأب في حالة رعب من هذا الزمن الذي لا أمان فيه، وتكاد قيامته أن تقترب.

وضع الأب مفتاح الشقة في الباب وكان صوت ابنه وصديقه يذاكران دروسهما، أدار المفتاح ودخل، وما أن دخل حتى شم رائحة غريبة تنبعث من البيت، فدخل على ابنه المنحرف وعاجله بكف على وجهه وطرد صديقه، قم، وذهب للنوم غاضبا مكفهرا، ولكنه عندما استيقظ في الصباح اكتشف أن الرائحة النفاذة لا تزال بنفس الدرجة والقوة، وعندما تفقد الشقة اكتشف أنها رائحة، الدهان الذي صبغ به الشقة قبل ذهابه والتي لا تزال عالقة في الجدران. فاستدعى ابنه واعتذر منه.

هذه القصة رواها ابن أحد المفكرين العرب، بلغ اليوم الخمسين من عمره، وأصبح طبيبا ناجحا، ومواطنا صالحا، يتحدث عن أبيه، ليؤكد على خصال والده العظيمة. لكن ما يهمني هنا هو الحكاية التي تتكرر دائما في كل جيل.

التأكيد المستمر على عدم الثقة بالشباب والخوف منهم، وتكريس فكرة أن الشباب دائما هم أشجار هشة، يابسة، في مهب الريح يطوح بهم كل شيء وليس لنا أمل في إنقاذهم إلا بعزلهم عن كل شيء، كلما خرج مخترع جديد، كان مسوغ الخوف منه والتحذير منه ومصادرته هو أنه مفسدة للشباب، حتى تخيلت الشباب أشجارا تتمايل يمنة ويسرة مع كل هبة ريح.

الأب لم يستطع تمييز رائحة الدهان الذي يعرفه جيدا عن رائحة الحشيش التي لم يعرفها أبدا، لكنه تحت سيل التحذيرات ورعب التكهنات والاتهامات، والتخوين والتشكيك، ظن أن ما شمه هو حشيش وليس دهان «بويه».

الاحتقان بالخوف يسلب العقل القدرة على معرفة الحية من الحبل!. كيف يمكن للعقل أن يعرف الحق من الباطل، إن لم يكن متحررا من الخوف، وبدون مناخ صحيح من المعرفة، وتعدد الخيارات، التي تساعد على الحكم الموضوعي على الأشياء، بمعايير أهمها الثقة والتجربة والبرهان، رجال اليوم هم شباب الأمس، الجيل ذاته المخون، الفاسد، العاطل، الكسول، لكن الحقيقة تقول ان شباب الأمس تقدم ونجح وأحرز نقاطا أكثر في سجله الحضاري الشخصي والعام، ماذا لو عمل الشباب اليوم في مناخ من الاحترام والحرية والظن الحسن، لا شك أنهم سيكونون الجيل الأفضل حظا ومهارة!

[email protected]