النفط مقابل العلم!

TT

مرة تلو المرة تثبت المملكة قدرتها على تجاوز الأزمات، وأتصور أن كل عربي ومسلم يفخر بذلك اللقاء الندي بين ولي العهد السعودي وبين الرئيس الأميركي. ومصدر الفخر يأتي بأن هذه القدرة على تجاوز الأزمات لم تكن على حساب ثوابت المملكة ومبادئها، فلم تنجرف الى الانبطاح لواشنطن كما كان يريد منها البعض، ولم تحول سجونها الى معاقل للتعذيب بالوكالة واستجواب من لا تستطيع الولايات المتحدة استجوابهم وتعذيبهم، وبالمقابل لم ترفع شعارات التحدي ونفخ الذات غير الواقعية، واستطاعت أن تكون تلك الشجرة المثمرة التي تنحني لرياح الأزمات لكنها تعود بعدها أكثر قوة .

بعد (كف) الحادي عشر من سبتمبر الذي أصابنا كسعوديين، كما أصاب الولايات المتحدة تماما، هذا الكف الذي لم يكن عبثا فيه اختيار خمسة عشر سعوديا لتنفيذه رغم أن في تنظيم القاعدة أكثر من أربعين جنسية ، والذي جعلنا نعيد النظر في كل شيء، في أموالنا التي كنا نخرجها كزكاة وصدقات دون أن نعرف يقينا أين تذهب، معتبرين أن ذلك في(ذمة) من تولوا ذلك، ناسين بطيبتنا وحسن نيتنا أن هناك الكثير ممن هم بلا (ذمة)، وأعدنا النظر في خطابنا الاعلامي ومنابرنا، شخصيا لم يقلقني شيء في توتر العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة ، قدر التضييق على الطلبة والطالبات السعوديين وعرقلة دراستهم في الولايات المتحدة وهو ما لامس الانسان السعودي بشكل مباشر، بعد أن تحول الجواز السعودي الأخضر المدلل والذي كان المفتاح السحري لأبواب السفارات والمطارات والطائرات، الى تهمة ومثار للريبة والشك وقد تضرر من ذلك الكثير من الطلبة وطالبي العلاج السعوديين. لذلك كان أجمل ما في هذا اللقاء هو الوعد باعادة الأمور الى نصابها بعد دعوة الرئيس جورج بوش الى عودة تدفق الطلبة الى جامعات الولايات المتحدة ومعاهدها.

لقد اعتدنا كسعوديين أن نعامل دائما كمستهلكين جيدين، فالقنوات الفضائية تستهدف المشاهد السعودي، والصحف العربية أعادت أولوياتها لاستقطاب القارئ السعودي والتوقيت السعودي اليوم أصبح مرادفا لتوقيت جرينتش، لكن التعامل معنا كمستهلكين جيدين في مجال العلم والبحث والمعرفة هو وحده مصدر الفخر لنا.

منذ أواخر الستينات وحتى اليوم لا تكاد توجد أسرة سعودية واحدة لم يتلق أحد أفرادها دراسته في الولايات المتحدة ، وهؤلاء الطلبة هم الذين عادوا وأضاءوا وطنهم، وهم اليوم بكفاءاتهم في شتى المجالات يميزون المملكة عن بعض الدول العربية الأخرى فلم تخل الجامعات الأميركية الكبرى مثل هارفرد وستانفورد وجونزهوبكنز وتافتس وغيرها من الطلبة السعوديين، أما ما يفعله البعض اليوم من إدراج الجامعات الأميركية ضمن قائمات المقاطعة مع المكدونالدز والبيبسي، فشيء فيه الكثير من الحماقة ونحن المتضرر الأول من ذلك.

نحن أمة نامية ولا نزال بحاجة الى التطور والأخذ من الحضارات الأخرى، وفي ظل حمى (السعودة) اليوم في المملكة علينا أن لا نغفل هذه الحقيقة، فنحن مع السعودة التي تغير مفاهيم السعوديين نحو بعض المهن والتي تغربل المملكة من العمالة الرخيصة في البلد ذي السبعة ملايين وافد، لكن بالمقابل استقطاب العقول والكفاءات والأدمغة من شتى أنحاء العالم واجب وطني لدفع حركة التقدم.

ولو كان الأمر بيدي لقايضت النفط بتعليم وتأهيل شبابنا وبناتنا وفي الاستثمار في العقول، أتذكر ما فعله الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي ابتعث عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات اللبنانيين بدلا من أن يصنع منهم مليشيا ويعلمهم (التقويص) والكراهية والمؤامرات. واذا كانت لدي (أطماع) في الولايات المتحدة اليوم فهي ليست أطماعا مادية، حيث تشهد المملكة شبه طفرة اقتصادية جديدة ، ولكنها أطماع النهل من التقدم العلمي الذي وصلت اليه الولايات المتحدة .

لنتذكر جيدا أن النفط الخليجي سينضب في يوم من الأيام وحينها لن نجد لنا مكانا بين الأمم الا بما استثمرناه في عقول أبنائنا وبناتنا.

تعليق متأخر:

انتهت الانتخابات السعودية التي أشاد الجميع بنزاهتها، ونجحت القوائم المزكاة في كل الأماكن تقريبا ما عدا مدينة بريدة في منطقة القصيم (شمال وسط السعودية)، وهذا ما أثار استغراب البعض، وفي رأيي أن التفسير بسيط جدا وهو أن أهل منطقة القصيم التي أنجبت الشيخ ابن سعدي وابن عثيمين وأئمة الحرم السديس والشريم وغيرهم، هم أكثر علما بالدين من غيرهم، ولم تنطل عليهم لعبة (صوّت تؤجر) وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الأمانة الحقيقية هي التصويت للانسان الكفء بعيدا عن وصاية أحد ...

* كاتبة سعودية

[email protected]