ماذا بعد؟

TT

نام اللبنانيون على نشوة النصر في معركة الاستقلال الثاني لوطنهم الصغير ليفيقوا، في اليوم التالي، على تساؤل مرير عما تغيّر بعد الانسحاب السوري من لبنان.

ماذا بعد؟

سؤال طرحه بجدية الزعيم اللبناني المعارض وليد جنبلاط عله يحرك الجامع المشترك بين النوايا الحسنة لكل شرائح المجتمع السياسي في لبنان.

إلا أن ما تحرك لم يكن سوى ذلك الحس الطائفي ـ السياسي التقليدي الذي يصب، في نهاية المطاف، في خانة الحفاظ على المواقع السلطوية لزعماء الطوائف واحزابها.

مسرحية إخراج العودة الى ما عرف بـ «قانون غازي كنعان» الانتخابي (قانون انتخابات عام 2000) يبدو وكأنه أول الغيث في مسيرة الارتداد الطائفي على انتفاضة الاستقلال الثاني وبالتالي على أمل لاح في «ساحة الحرية» في بيروت يوم رفع شباب لبنان وشبانه، الى اي شريحة مذهبية أو سياسية انتموا، الصوت عاليا مطالبين بوطن لجميع ابنائه لا دولة تصنفهم مللا ونحلا ومذاهب وشيع.

مؤسف في دولة يشكل الشباب نحو ربع سكانها أن يكون الشباب أول المحبطين من انتفاضة الاستقلال، فالعودة الى قانون عام 2000 ليست أكثر من محاولة «دستورية» لاعادة فرض الامر الواقع السابق لانتفاضة الاستقلال.

ربما كان اسهل على اللبنانيين ان يتفقوا على السلبيات (رفض الوجود السوري) من الاتفاق على الايجابيات (بناء الوطن الجامع). وليس مستبعدا ان تكون هذه الظاهرة اللبنانية سبب استمرار حربهم الداخلية أكثر من خمس عشرة سنة... الى ان تيسّر لهم عام 1989راع عربي من خارج حدودهم يعيد جمعهم (في الطائف) حول اتفاق وفاق وطني.

على ضوء هذه الخلفية لا يبدو مستغربا ألا يخرج من انتفاضة الاستقلال الثاني برنامج وطني موحد لاعادة بناء الوطن الواحد، فالراعي الاجنبي (هذه المرة) لم يكن همه الاول قيام الوطن اللبناني بقدر ما كان خروج السوريين من لبنان.

ولكن ما طالب به شباب التظاهرات الهادرة وشبان الاعتصام، ليلا نهارا، في مخيمات الحرية في وسط بيروت، لم يكن تصحيح العلاقة اللبنانية ـ السورية فقط بل تصحيح العلاقة اللبنانية ـ اللبنانية وتحويلها من علاقة تعايش جغرافي مشترك الى علاقة عيش مصيري مشترك في ظل علم واحد.

ولكن اسلوب عودة نوابهم الى قانون عام 2000، بما رافقه من مناورات وصفقات «انتخابية»، يوحي أنه، باستثناء خروج الطائفة الثامنة عشرة من ساحة المناورات الانتخابية الداخلية ـ اي «الطائفة» السورية ـ لم يتبدل شيء في تصرف الطوائف اللبنانية السبع عشرة الاخرى.. سوى سعي بعضها لتعويض الفراغ الذي خلفه انسحاب الطائفة الثامنة عشرة بمزيد من التأكيد على حصصها البرلمانية وفي الوقت نفسه استمرار التملق لاتفاق الطائف وتجاهل نصه العملي على الغاء تدريجي للطائفية السياسية عبر البدء بمساواة الطوائف اللبنانية، سياسيا ودستوريا، في مجلس شيوخ يمثلهم بالتساوي.

إذا كان ثمة مدلول منسي لتظاهرات واعتصامات الشباب في وسط بيروت وللشعارات التي رفعوها بهذه المناسبة فهو قطعا تنامي ما يمكن تسميته بـ «فجوة الجيل» بين شبان ساحة الحرية وحكام ساحة النجمة (البرلمان اللبناني)... فهل كانت انتفاضة الاستقلال الثاني فرصة أخرى أضاعها لبنان الطائفي على لبنان الشباب أم أن ما نشهده اليوم هو مقدمة لحالة فصام سياسي بين جيلين لبنانيين؟

في كلتا الحالتين، مفهوم الوطن هو الخاسر الاول والاخير.